سعادة هستيرية

قبل جائحة كورونا بخمس سنوات أخذت زوجتي لأسعاف مستشفى الملك سعود في حالة طارئة بسبب عارض صحي قد اعتراها وعند وصولنا هناك أدخلتها على كرسي متحرك واستقبلنا هناك الطبيب والممرضات فكشفوا على حالتها وتم عمل اللازم بوضع الأوكسجين والمغذي وتم أخذ التحاليل اللازمة ثم خرجت من داخل الإسعاف لأنني تضايقت من رائحة البنج والمطهر الغالبة على المبنى ووقفت عند بوابة الإسعاف الداخلية فلفت نظري شخصاً كان كثير السؤال عن كل حالة واردة تأتي في سيارة الإسعاف فقلت في نفسي أكيد هذا موظف مسؤول مجتهد في عمله ويحب أن يساعد المسعفين في الحالات الاسعافية هنا ثم جلست في كرسي من الكراسي وكان بجانبي على أحد الكراسي سلة من الخوص بها زمزميتين واحدة للقهوة والأخرى للشاي وكان يوجد بها أيضاً تمر وفناجين وبيالات فقلت في نفسي ربما أن عمل هذا الشخص هنا لوقت طويل لذلك فهو قد أحضر سلة قهوته معه ثم دخلت مرة أخرى إلى داخل الأسعاف لاطمئن على حالة زوجتي وسألت الطبيب المناوب عن حالة زوجتي وطمنى بأن الأمور جيدة ولا داعي للقلق ، ثم خرجت مرة أخرى إلى البوابة الداخلية للأسعاف ثم ناداني الشخص وهو جالس على كرسي يحتسي فنجان من القهوة وقال أتفضل خذ لك فنجال وعندما قربت منه صب لي فنجان قهوة وقال تفضل هاه طمني عسى الحالة التي معك بخير فقلت الحمد لله أبد هي حالة طارئة والدكتور قد طمني وأن الأمور على ما يرام فقال شفاها الله ثم أستطرد في كلامه وقال هل تصدق بأن لي أكثر من خمس سنوات وأنا أحضر في الغالب كل يوم من العصر ولا أغادر هذا المكان إلا بعد الساعة التاسعة مساء وأرى حالات غريبة وعجيبة

فقلت له: هل تعمل هنا؟!

فقال: لا

فقلت له: أجل أنت مرافق لمريض في العناية المركزة

فقال: وهذه لا أيضاً وفي الحقيقة أنا أحب أن أقضي وقتي كل يوم هنا وأحضر معي قهوتي في هذه السلة التي ترى لأنني أشعر بسعادة ومتعة ماعدا اليوم الذي يكون فيه مباراة أو سامري ليلة الخميس أو ليلة الجمعة فأنا لا أستطيع الحضور.

فقاطعته وقلت له: أين السعادة والمتعة في ذلك فالأسعاف ترد إليه حالات صعبة منهم المحترق أومن كسرت يده أو رجله نتيجة سقوطه أو من هو مصاب بجلطة في قلبه أو مخه أو حادث سير شنيع فأي سعادة ومتعة هذه التي تتحدث عنها!!!

فقال لي: السعادة والمتعة لدي هو أنك ترى القدر المؤلم على الحالات الإسعافية وتعرف نعمة الله عليك بنعمة الصحة والسلامة

فقلت له: أنا معك ولكن ليس كل يوم تحضر للأسعاف لأجل هذا الخصوص فهذا شيء مبالغ فيه

ثم سألته هل لديك أصدقاء تقضي معهم الوقت وتخرج معهم لأماكن أفضل مثل استراحة أو شاليه أو بنزهة  في البرية أو بحديقة أو تشرب قهوتك في كوفي بأحد المولات

فقال: بلى لدي أصدقاء ولكن هم لا يحبون مرافقتي إلى هنا

فقلت له: والله معهم حق

وثم قال: ومتعتي الأخرى هو في حضور حفلات السامري وأرى من مسه الزار يتناول الجمر بيده ويضعه في فمه ويبتلعه وهذا منتهى الإثارة

فقلت له: أين المتعة في شخص يأكل جمر!!!

ثم ناداني الدكتور وهو خارج وقال لي تستطيع أن تأخذ أهلك الآن فحالتهم مستقرة ثم ألتفت للشخص غريب الأطوار وشكرته على القهوة وقلت في نفسي الحمد لله الذي لم يجعل سعادتي كما هي عند بعض غريبي الأطوار فقد مر على في حياتي بعض الحالات فأحدهم يجد متعته في التطفل على موائد الآخرين وأما الآخر فسعادته  في الشح ويمد يده للناس يستجديهم العطاء برغم أنه ثري لذلك البعض يعتقد أن سعادته في هستيريا يمارسها كما هو غريب الأطوار الذي يحضر يومياً للأسعاف للتطفل على حالات الناس الصعبة فليته كان متطوعاً لكان ذلك أفضل له دنيا وآخرة.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …