خواطر مدمن

يقول في نفسه بعد أن دخل في دوامة الإدمان ” إن المفترض بأن أكون الآن أسعد إنسان ، هكذا ظن أو هكذا أوحى له أصدقاء السوء والذين حطموا حياته وصحته لأجل المال الذي معه لكي يصرفه عليهم ولكي يجعلوه كذلك فلابد بأن يكون مثلهم يتعاطى معهم، فهم في البداية جعلوه يتعاطى معهم كمجاملة ثم أصبح يطلب هذا الشيء ولو أن يبيع نفسه أو أحد أخواته ثمناً للحصول على حبة أوجرعة، هو أدرك بأن دربه قد أصبح أكثر وعورة وقال في نفسه” سأبدأ بمعالجة نفسي من الإدمان الذي كان يفصلني عن حياة الواقع ويجعلني أحيا في عالم يخصني وحدي مليء بوهم هلوسات السعادة ، وفي فترة العلاج قد وقف أهلي معي في محنتي بينما أصدقاء السوء قد تخلوا عني وقال في نفسه أنا الآن محاط بالناس الذين يحبوني بعد ما كنت أحيا بعيداً عنهم وأنا الآن أحظى بالتقبل ولكن للأسف لا أحظى بالقبول والمصداقية كفترة قبل الإدمان ،إنها حقا معادلة صعبة ويجب تقبل هذا الوضع والرضى بعالم الواقع وسيكون مع هذا خيار الوحدة ثم تأملت بحالي السابق حينما تخلوا عني أصدقاء السوء وأصبحت وحيداً بعد تدهور صحتي وسمعتي ،وقال هذا شىء مفرح ومحزن في آن واحد فرحت لبعدي عنهم وحزنت لضياع العمر معهم في نفس الوقت يجعلني أبكي على حالي و تسيل دموعي رغما عني ،لقد كنت مدمنا وكنت أظن أن السعادة هي في تعاطي المخدرات والشراب والسهرات الحمراء وكنت أحيا بأفكار المدمن الذى يرى ان الحياة صخب وبدون قيود و لابد أن تتحول الى الأروع، كان إدمانى يعزلني عن الواقع وعن أهلي وأصدقائي الحقيقيين الذين حينما نصحوني كثيراً ونهرتهم فابتعدوا عني، ولكن بعدما أقنعني أخي بتدارك نفسي حتى لا أعرض نفسي لخطر أكثر ،وافقت على ذلك و شعرت بالأمل وبأنه لابد في البداية من عودتي لله كانت هذه هي حالتي حينها ،فمن قبل كنت أشعر في نظرات الآخرين لي بأنني أحمق وأناني لايعيش في عالم الواقع ويعيش لنفسه وشهواته وملذاته، وكان أصدقائي الحقيقيين يصفون إدماني على إنه معصية لله و هروب من المسؤولية ، ولقد كنت أسخر من كلامهم هذا ،فقد كانت غايتي بأن أكون سعيداً و لكن وسيلتي كانت خاطئة لأنني مشيت في الطريق الخاطئ وكنت أشعر بتأنيب الضمير، ولكني كنت أقول في نفسي إن إدماني هذا لم يؤذِ أحداً غيري ولو كنت أستطيع الاستمرار في المخدرات لفعلت، ولكن للأسف المخدر لم يعد يجدى نفعاً و تعقدت الظروف والأحوال الى الدرجة التي جعلتني لا أستطيع مجاراتها، لأنني لم أستطع أن أستمر فقد أخذ جسمي يطلب جرعات أكبر وهذا يأتي على حساب عقلي وأعصابي وصحتي حتى أنهرت، وبدأت أوذي أهلي وأقربائي وأصدقائي المقربين فبدأت أكتئب وأصبحت أفعالي غير متزنة، لذلك لا أستطيع الحياة هكذا، وبرغم مالقوه مني من الأذى فالحق أقول قد وقفوا بجانبي و ساندوني في أزمتي حتى عولجت، ولكن لم تكن هذه هي المساندة التى أنشدها ولكن رغماً عني قد قبلت،وحينما قبلت ضاع مني الرضا لأنني خسرت ذاتي وضيعت مستقبلي ووقتي ولكني على كل حال قد كسبت التقبل،أنا الآن قد بدأت أحيا على أرض الواقع وسط أهلي والناس الحقيقيين،ولكن كم أكره هذه الحياة وكم أكره هذه الوجوه،و كم أكره هؤلاء الناس ولكنى للأسف لا أملك إلا هذا الاختيار فأنا قد وافقت وقررت بأن أتعافى من إدماني ،وهذا هو الطريق الوحيد و لا مكان للهروب حتى لا تكون نهايتي بسوء خاتمة وأموت في دورة المياه بجانب المقعد أكرمكم الله ، لذلك قد أغلقت الباب الخلفي للأبد، وبدأت أشفى ، من إدماني وكل يوم أجد التشجيع من أهلي ، ولقد كنت أحمقاً حينما أنزلقت إلى هذا الطريق حيث كنت أعتقد بأن الإدمان هو أفضل من حياة الفراغ والطفش و الحياة الراكدة، وأن تعاطيٌ للمخدرات والشراب قد كان شرعياً بالنسبة لي، لأنه من خصوصياتي بحيث أني لا أخطئ في حق أحد، ولكني كنت واهماً فحريتي هذه قد دمرت صحتي وضيعت مستقبلي وهزت ثقة أهلي وأقربائي وأصدقائي فيني لذلك إدماني ليس حقاً مشروعاً ولا حرية شخصية لأنني فقدت الطريق الصحيح ولأني سأفقد الحياة لو لم يتم تدارك نفسي”.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …