1- وسترجع مهزوماً مكسور الوجدان

حينما زرت صديقي في رمضان لأبارك له في الشهر ورأيته يعيش وحيداً في فلة والده المتوفى وأمه أيضاً التي قد تُوفيت بعد والده بفترة وجيزة ،والبيت قد أصبح عليه خالياً ومظلماً وكئيباً لأنه لم يتزوج وليس عنده أولاد ثم بعد السلام كررت عليه السؤال وقلت له: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟ فقال: لن أرد عليك كالعادة بأني متعقد من زواج إخواني ومتاعبهم في الحياة، ولكن سأقول لك الحقيقة وقلت له :وماهي الحقيقة يامحمد فقال :الحقيقة بأن حبي لها لازال معششاً في قلبي منذ كنت في المرحلة الثانوية وحتى الآن  فقلت :من هي ؟! فقال:بنت الجيران فقلت له : كيف تعرفت عليها؟ فقال :بالصدفة حيث كان أخوها معي في نفس الفصل وبنفس الثانوية وكنا سنتذكرالدروس سوياً وقبل الاختبارات بفترة دعاني بأن آتي بعد العشاء للمذاكرة عنده وبعد صلاة العشاء أخذت بعض كتبي ودفتري ثم ذهبت لمنزلهم وعند وقوفي بالباب حيث كان الباب مردوداً ناديت عليه وقال لي: تفضل في الملحق وحين دخولي رأيت أخته واقفة تكلم أخاها الصغير وهي تقبله عند الباب الأوسط بالقرب من الصالة ثم تسمرت في مكاني وقلت في نفسي ماشاء الله تبارك الله ولم تنتبه لي ثم بعدها بلحظات تنحنحت ثم ذهبت مسرعة إلى الداخل، وعندما دخلت على صديقي وزميلي في الملحق وجدته مشغولا ًفي المذاكرة وسلمت عليه ثم أحضر بعد فترة الشاي والكيك وكنا نذاكر ولكني كنت غير مركزٍ في المذاكرة لأَنِّي أهوجس في تلك الحورية الجميلة التي قد رأيتها والذي عرفت بعد ذلك بأنها زميلة لأختي في المدرسة لأَنِّي صرت بعد ذلك في بعض الأحيان أوصلها مع أختي للمدرسة في سيارتي ثم أصبحنا نذاكر سوياً أنا و أخوها حمد عند بعضنا باستمرار، مرة في المنزل عندي أحيانا وفي منزلهم أحيانا أخرى وعندما آكون في منزله كنت  أسمع صوتها أحياناً وهي تنادي على أمها أو تنادي على أخوها حمد الذي يذاكر معي واكتشفت بعد ذلك بأنها هي التي تصنع الكيك وتعد الشاي لنا وكانت نافذة غرفتها مطلة على بيتنا وكنت حينما أغسل سيارتي في الليل بعد العشاء أراها تختلس النظرات لي من خلف الستارة ،فقلت لأختي بلغيها بأني سأتقدم لخطبتها في الإجازة بعد الاختبارات النهائية إن شاء الله وأنا ضامن النجاح لأن درجاتي عاليه، فقالت أختي حسناً ثم أبلغت أمي بأني سأتزوج وأتقدم لبنت الجيران في الإجازة الصيفية ووافقت أمي على ذلك ، ثم بعد يومين قالت أختي أنها كانت سعيدة عندما أخبرتها بذلك وقالت لها أخوك مليون بنت تتمناه ، ثم أثناء فترة  آخر الاختبارات جاءني خبر كالصاعقة بأنها قد خطبت لابن عمها الثري رغماً عنها وهي رفضت ولكن أباها قد غصبها على ذلك ، وقالت لأختي وهي تبكي والدموع على خديها باني أحب أخاك ولا أتصور نفسي زوجة لأحد غيره ،ثم قلت لصديقي محمد: هون عليك فهذه الأمور قسمة ونصيب ودموعك لن تغير شيئاً فقال ياسلمان :دعني أكمل لك ماحدث فقلت له: ثم ماذا حدث ؟قال شعرت بأن الأرض قد ضاقت علي ثم ذهبت في بيت جدي لمدة شهرين وكنت حينما أسمع اغنية عبدالحليم حافظ قارئة الفنجان والتي كانت قصيدة لنزار قباني كانت عيناي تغرورق بالدموع لأنها تصف ماقد مررت به فلقد كنت فرحاً في البداية كما قال عبدالحليم حافظ وهو يغنيها

فمها مرسوم كالعنقود، ضحكتها أنغام وورود

والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا

قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب هي الدنيا

ولكن بعدما ماتم زواجها إنحرمت منها وأصبح الطريق لها مسدود كما وصف الحال عبدالحليم وقال:

لكن سماءك ممطرة وطريقك مسدودٌ مسدود

فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصرٍ مرصود

من يدخل حجرتها، من يطلب يدها

من يدنو من سور حديقتها، من حاول فكّ ضفائرها

يا ولدي مفقودٌ مفقودٌ مفقود يا ولدي

ثم أصبحت أسأل أختي عن أخبارها دوماً وعلمت بأنها غير سعيدة مع زوجها كما أن زوجها لم يكن رجلاً مستقيماً ويأخذ المصروف من أبيه ولايعمل ولايفكر حتى في العمل في شركة والده فزاد ذلك من حزني لأنه لايستحقها ،فلو أنها سعيدة لخفف ذلك الأمر عني كثيراً وتذكرت عبدالحليم حينما قال:

ستفتِّش عنها يا ولدي في كل مكان

وستَسأل عنها موج البحر وتسأل فيروز الشطآن

وتجوب بحاراً وبحاراً، وتفيض دموعك أنهاراً

وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجاراً

وتدمع عيناي كثيراً ياسلمان حينما يقول عبد الحليم

وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان

وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان

فحبيبةُ قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان

ما أصعب أن تهوى امرأةً يا ولدي ليس لها عنوان

ليس لها عنوان يا ولدي

فقلت له: إن ذلك له ثلاثون سنة ولماذا تربط نفسك بإنسانة مغلوبة على أمرها وقد تزوجت وأصبح لديها أولاد وبنات وأصبح لها حياتها فلماذا لا تتزوج أنت أيضا وتنساها وتكون لك حياتك؟!  فقال لم أجد أنثى مثلها كزوجة ولم يفز قلبي لواحدة غيرها فقلت له :ولكن حرام عليك فلنفسك عليك حق أتعجبك هذه الوحدة التي أنت عايشها تزوج لكي يصبح لك ذريه فقال: ذكرتني بأمي رحمها الله التي تقول لي تزوج لكي أرى عيالك قبل أن اموت ولكني لا أستطيع بأن أتزوج زواجاً تقليدياً وأظلم بنت الناس التي سأتزوجها لأني لن أحبها مثل بنت الجيران لأَنِّي لاأحب بأن أعيش حياة مزدوجة ، ثم استطرد وقال تصدق بأني بعض الأحيان أذهب لحارتنا وأمر بقرب منزلهم وأنظر لنافذتها التي كانت تطل علي منها وأني بعض الأحيان أراها في أحلامي ،وقلت له طيب ماذا ستستفيد من هذا الحب والوفاء والتعلق إلا وجع القلب فقال: هذا ما أشعر به وبسبب هذه المشاعر الجميلة في الحب أصبحت كاتباً مشهوراً لانها قد منحتني الإلهام وهذا ماقاله نزار قباني في قارئة الفنجان حينما قال:

 

فبرغم جميع حرائقه، وبرغم جميع سوابقه

و برغم الحزن الساكن فينا ليل نهار

و برغم الريح و برغم الجو الماطر و الإعصار

الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار

إنه أحلى الأقدار برغم حرماني منها و أشكر هذه الإنسانة الجميلة في مظهرها وروحها والتي لم تنهِ علاقتي معها بالغدر أوبالجحود أو بالإساءة لي بكلمة لأجل المصلحة أو بفعل مشين لأنه كان حباً عذرياً نظيفاً ياصديقي والذي يندر وجود مثله في هذه الأيام ،لقد كانت معي في النهاية جميلة كما في البداية لقد منحتني هذه المشاعر وجعلتني إنساناً مرهف الإحساس، و الحب قدر ونصيب كما هو الرزق بالمال والبنون ولكن الله يعطي منه مايشاء ويحرم منه مايشاء وأنا أعتبر نفسي محروماً منه بعد أن رزقنيه الله وأنا راضٍ بقسمتي ونصيبي و برغم مالدي من مال وأملاك ولكني مهزوم ومحروم كما قال عبدالحليم:

وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان

وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان

فحبيبةُ قلبك ليس لها أرض أو وطن أو عنوان

ما أصعب أن تهوى امرأةً يا ولدي ليس لها عنوان

ليس لها عنوان يا ولدي

ثم قلت له :وستعرف يامحمد بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دخان

إنه الوهم والألم يامحمد ثم قال لي : إنه أجمل قدر وأجمل ألم وأجمل وهم.

سلمان محمد البحيري 

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …