كان يحمل والده المريض بين يديه

لقد كنت متردداً بأن أكتب هذه القصة الواقعية وسبب ترددي لأنها كانت مؤلمة لجدي عبدالعزيز ومؤلمة لنا كأولاده وأحفاده لأنها تتكلم عن رحيله ،وأتكلم خاصة عن فترة مرضه بعدما بيعت المزرعة التي كانت عشقه هو وأبنه محمد وأحفاده هو لم يبعها بسبب أن أحدأ قد أرغمه على ذلك ،ولكن لأنها قد مرت بسنين عجاف كسنين يوسف حيث لم ينزل المطر لعدة سنوات مما أدى بذلك بأن يشح الماء وأصبح بعيداً في البئر الإرتوازي برغم أنه في ذلك الوقت قد تم حفر مسافات بعيدة لأجل الحصول على ماء غزير،ولكن ذلك كله لم يتم الإستفادة منه طويلاً بسبب أن ماسورة الماء القادمة من الدينمو والتي تصب في البركة تصب ضعيفة لفترة بسيطه ثم ينقطع الماء برغم أن الدينمو يعمل بسبب شح الماء في البئر مما تطلب سقى المزرعة عن طريق شاحنة الماء”الوايت” حيث تحضر من الأشياب الموجودة في وادي حنيفه لذلك تم تخفيض الإنتاج الزراعي كثيراً ليقتصر فقط على ري النخيل وبعض أحواض البرسيم لأجل الماشية التي في المزرعة ولقد أصبح الأمر على هذا الحال طويلاً فأصبحت مصروفات المزرعة أكثر من الإيرادات لذلك تم بيع المزرعة على مضض

ومن هنا نشأت معاناة جدي عبدالعزيز وأبوي محمد حيث  برغم أنه تم شراء أرض كبيره في المعذر لبناء مجمع سكني ل16 فله وتم إسناد مهمة تنفيذ هذا المشروع لأخوي المقاول عبدالله البحيري والذي هو مختص في بناء القصور والفلل و كل ما يتعلق بمجال المقاولات والعقارات ،

ولكن بعدها بسنوات قليلة قد بدأت صحة جدي عبدالعزيز في التدهور وخاصة بعد وفاة جدتي نوره الحمودي رحمها الله لذلك كان جدي رحمه الله يصارع الوحدة برغم وجود والدي محمد بجانبه ونحن كأحفاد له معاً في المنزل الكبير لرعايته ومراجعة المستشفى به قبل أن تتدهور صحته كثيراً ولقد ترك والدي محمد عمله وتفرغ لرعاية والده وقد كان يحرص على إطعامه وأن يسقيه الماء وبل لو يتطلب الأمر أحيانا بأن ينام عنده في نفس المكان الذي  به إذا كان المرض إشتد عليه لكي يعطيه العلاج ويخفف عنه الآلام أو ليقوم بحمله على ذراعيه على الكرسي المدولب ليذهب به إلى دورة المياه لأجل أن يساعده في قضاء حاجته في دورة المياه ويقوم بتنظيفه ويقوم بتسبيحه ثم بعد ذلك بتنشيفه بالفوطة قبل أن يخرج من الحمام حتى لايكون جسمه مبتلاً ولايتعرض للهواء أو البرد ثم يحمله على الكرسي ويأخذه إلى فراشه أو يجلسه إذا أراد الجلوس بعدما يهيئ له الجلسة ليكون مرتاحاً ولقد كان والدي رحمه الله يحرص على نظافة جسم جدي رحمه الله وأن تكون رائحته طيبه،ويقوم بتدهينه بالعلاج على مواضع جلده المتأثرة من المرض ويعطر ملابسه حتى يشعر بالإرتياح عندما يزوره أحد من أبناءه وبناته أو بعض من الأقارب والمحبين ولكن بدون أن تطول الزيارة لحالته الصعبة رحمه الله وكان عندما يسأل جدي عن صحته لايبدي التسخط وأنما يكون مبتسماً ومتماسك وهو يقول “الحمدلله أنا راضي عن الله فأتمنى بأن يكون عني راضي” وسر صلابته لأنه كان كثير الأذكار والحرص على الصلاة في وقتها حتى وهو بهذا الوضع حيث كان يطلب بأن يحضر له تراب للتيمم لأنه رحمه الله كان يعاني من سرطان الأمعاء وهذا النوع من السرطان يشعر من أصيب به بالآلام في الأحشاء لإنه ألم لايحتمل فلو كان أحداً غيره لجعله يخرج عن طوره ويرفع صوته على من حوله ، لذلك فصبر المريض على مرضه إضطراري ويؤجر عليه وأما صبر أهله عليه فهو صبر إختياري لأنه صبر على البلاء ولقد تعلمت من هذا الذي حدث بأنه من أوجب الذين نصبر عليهم إذا حل بهم المرض هو صبر الرجل على مرض أبيه أوصبره على مرض أمه أو صبر الزوج على مرض زوجته أو صبر الزوجة على مرض زوجها لأن الحياة تكاتف وعيش على الحلوة والمرة وأن الحياة ليست دائماً مبتسمة وجميلة لأنها لاتدوم على حال واحد بل إنها متقلبة فيها أزهار وأشواك ونفحات ولفحات ولذات والآلام وصحة وسقام وليس من المرؤة والدين بأن يستمتع الرجل بزوجته في حال صحتها وقوتها ثم يتبرم منها عند المرض فكأنه كمن يأكلها لحماً ويلقيها عظماً حيث يأخذ ثمرة قوتها ثم يرمي بها كقشرة في حالة الضعف فليس هذا من الشيمة والوفاء ولا من حسن العشرة ولقد تعلمت أيضاً بأن المريض ليس وحده الذي يعاني ويتألم وتقض الآلام المرض مضجعه ويجافيه النوم ،ولكن أيضاً أهل المريض الذين من حوله سواء كانت زوجة أو أبناء أو زوج أو أهله عموماً فالجميع يعانون مع المريض لأنهم يرون الذي يحبونه يتألم ولكن لايستطيعون أن يفعلوا له شيئاً سواء التخفيف عنه بالوقوف بجانبه حتى يتجاوز أزمته أو يلحق بالرفيق الأعلى لأن أهل المريض يعانون ويصيبهم الإرهاق والتعب لأنهم يبذلون معه الجهد ويقدمون له الرعاية والإهتمام الدائمين من حيث تقديم الطعام والدواء وتغيير الملبس وتغيير الحفاظات ومساعدته في الإستحمام وقضاء الحاجة والتنظيف إذا أستدعى الأمر ذلك،لأن المريض في هذا الظرف العصيب يكون حساساً من الذين يكونوا من حوله أكثر من غيره بسبب ضعفه وأنه مسكين لاحول له ولاقوة وهو يشعر بأنه عبئ وثقيل عليهم ويتمنى بداخله بأن يموت ليريح الذين من حوله لأنه شعر باليأس ولذلك الكلمة الطيبة والإبتسامة الجميلة تجاه المريض تسعده وتريحه والكلمة القاسية والعبوس تؤلمه وتزيد عليه مرضه ولقد كان جدي عبدالعزيز رحمه الله مبتسماً برغم مايمر به من الآلام لأنه كثير التقرب إلى الله في عافيته ومرضه ومحبوباً من الناس القريبين والبعيدين لأنه كان يسهم في قضاء حاجات بعض الناس الذي يعرف عن حالتهم أو يكون سبباً في حلها عن طريق فاعلي الخير و كما كان يصلح مابين المتخاصمين وكان يأتي إليه أشخاصاً يطلبون منه المشورة وكان يدلهم على الرأي الصحيح ،لذلك عندما رحل رحمه الله فقد ترك فراغاً و أثراً كبيرين وخاصة على والدي رحمه الله وعلينا جميعا لأنه قد فارق الحياة وكان بين يدي أبنه محمد رحمه الله والذي كان ملازماً له في حله وترحاله في عافيته ومرضه حتى في عند رحيله وفي مراحل حياته حيث كان جدي عبدالعزيز رحمه يسكن مع أبنه محمد في منزله وأحيانا أخرى يسكن والدي محمد وأسرته مع جدي عبدالعزيز لذلك كان والدي هو الأقرب لجدي عبدالعزيز عن سائر أبناءه من الذكور عمي إبراهيم رحمه الله وسعد ،لأنه كان ملازماً له دائماً في مشوار الحياة فكان والدي محمد لجدي ليس إبناً فقط بل كانا كصديقين حيث كان التفاهم مابينهما هو السائد برغم حدوث خلافات في وجهات النظر أحياناً في أمور ما ولكن كان ذلك لايفسد الود،لذلك بعد وفاة جدي رحمه الله تأثر والدي محمد رحمه الله ولم يأخذ فترة طويلة حتى توفي هو الآخر حيث سطرا الأب وأبنه سيرة عطرة لأولادهم وأحفادهم ولازالت ذكراها الطيبة تفوح بالعطر الطيب عند الناس بكل خير حيث كان يتخللها العمل الجاد وخوض روح المغامرة والعصامية فنسأل الله بأن يتغمدهما عنا كذرية بواسع رحمته ويجعل ماقدماه لنا في ميزان حسناتهما ويجزاهما الله بجنات النعيم.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …