المليونير المشفوح

الشفاحة وهي تطلق على الشخص الطفيلي أو النهم وممكن يكون مشفوح فلوس أو مشفوح أكل أو مشفوح نساء أو مشفوح لبس أو مشفوح مظاهر وماينطبق على الرجال يشمل أيضاً النساء والشفاحة هي الدرجة العالية من الفضول وعدم الرضا والقناعة ولقد لاحظت في بعض الأسواق والأماكن العامة بأن بعض الرجال المتزوجين فيهم شفاحة للنظر للنساء اللاتي من حولهم ولم يراعوا على الأقل تواجد زوجاتهم معهم وسواء كانت زوجاتهم معهم أو لم يكن فالمفترض بأن يغضوا النظر وكذلك بعض النساء يتلصصن على الرجال بنظراتهن برغم أنهن بصحبة أزواجهن،وأما الشفاحة التي أريد أتكلم عنها هي شفاحة الأكل وحب التطفل على موائد الآخرين وهذه قصتان عن شخصيتين وهي حقيقية وليست من نسج الخيال وكنت في البداية لم أصدق حينما سمعت عنهما إلا عندما تأكدت بنفسي وخاصة أن هذا الرجلين يعدان مليونيرين فالأول اسمه حمد وهو يعمل في وظيفة حكومية وفي نفس الوقت يعمل في العقار و لكنه لم يتزوج حتى الآن والغريب بأن هذا المشفوح لايريد حتى أخوه بأن يعرف أين بيته وكذلك  أخته لأنه لم يسبق له بأن عزمهما كما لم يسبق بأن دعا أحدا إلى وليمة في بيته ،ولكن طبعه غريب فهو لا يوفر أي دعوة تأتي إليه من قريب له  أو بعيد سواء كانت عرساً أو وليمة عادية ولابد بأن يأخذ أكل منها سواء كان غداء أو عشاء معه إلى البيت من رز ولحم ليخزنه عنده في الفريزر والثلاجة ولقد قام مؤخراً بتفصيل ثلاجة كبيرة في بيته مقاسها 3 متر في 3 متر من الصناعية ووضعها بجانب الملحق لأجل أن يخزن فيها الرز واللحم حيث يجزأه ويضعه في عبوات بلاستيك كل عبوة يضع فيها مقدار معين من الزر وقطع لحم صغيرة بحيث كل يوم يأكل من عبوة لدرجة أن بقايا أكل عرس بنت أخيه التي قد تزوجت منذ سنة لازال عنده في هذه الثلاجة وإذا دعاه أحد غريب إلى وليمة كان لايخجل من النظر والتلصص على الصحون التي بها لحم أكثر وخاصة التي بها مفطح لكي يقول لصاحب الدعوة بعدما يأكل بأنه يريد بأن يأخذ من هذا الأكل لكي يأخذه ويعطيه ضعفاء يعرفهم بينما هو يأخذه لبيته ليخزنه في الثلاجة الكبيرة ، كأنه مقبل على مجاعة وكان يذهب إلى سوق الغنم في الأسبوع مرتين عند التريلات في مكان تنزيل الغنم ويذهب بثوب رث ويكلم المصري لأجل أنه فقير ولديه عيال كثير لأجل أن يأخذ منه أحد الأغنام المريضة لأنهم سيرسلون هذه الأغنام لحديقة الحيوانات مجاناً والتي يقدر عددها من جميع التريلات بأكثر من خمسين رأس في اليوم حتى لاتنفق عليهم في الأحواش لكي يتم إطعام الحيوانات المفترسة هناك وكان يحرص حمد المشفوح بأن يأخذ من هذه الغنم المصابة اثنتين ويعطي المصري المشرف على هذه التريلات خمسين ريالاً ثم يذهب بها إلى استراحة مستأجرها في العزيزية والتي لايعلم عنها أحد من أقاربه لأجل أن يذبح الشاتين الهالكتين ويقطعها للثلاجة ويأخذهما إلى بيته ولقد نصحه أخوه بعدما علم عنه بالصدفة بأن هذا العمل مشين وأنه غير محتاج لكي يعمل ذلك وحتى لو كان محتاجاً فهذا عيب وأن ذلك غير صحي لكي لا يتضرر من ذلك إن كان عاجلا أو آجلا بسبب شفاحته ولكنه يأبى ذلك وبرغم أنه قد أدخل المستشفى مرتين بسبب التسمم حيث قاموا بعمل تنظيف للمعدة ولكنه لم يتب لأنه يضعف أمام منظر اللحم والرز و كأنه قد جاء من إحدى الدول التي بها مجاعة في أفريقيا وأما عند الذين لايعرفونه فهو يدعي بأنه فقير ولديه عيال كثير ومن رأى حالته الرثة في اللبس قال بأن هذا مسكين ويستحق الصدقة فيتصدقون عليه وبسبب هذه التصرفات المقيته فقد ضاق أخوه ذرعا  منه ومايقوم به من شفاحة وأنه ليس لديه عزة نفس وكرامة وأن المفترض به بأن يقوم فعلاً بتوزيع هذا الأكل على المحتاجين والأيتام والفقراء ويوصل بعض ماخزنه للجمعيات الخيرية أو يتصل عليهم وهم يكفونه عناء ذلك ويرسلون سياراتهم لهذا الغرض وكان يرد على أخيه ويقول ماعليك مني أنا محتاج أكثر من هؤلاء لأنني غير متزوج ، وكان عندما يذهب للبنك يدخل في قسم العملاء المميزين الذين لهم معاملة خاصة في البنك حيث يأتي مدير البنك بنفسه له وكبار الموظفين ويرحبون به ويقدمون له القهوة والشاي حتى لايسحب منهم مبلغاً كبيراً ليودعه في بنك آخر ويهز من مركز البنك المالي وكان في الحساب الختامي كل سنة يتصلون عليه ليأتي لهم ويعطونه مميزات ويخبرونه عن مقدار الزكاة بموجب خطاب مؤسسة النقد ثم يقول لهم لا تخبروني عن مبلغ الزكاة ولو بيدي لما أخرجت قرشاً واحداً لأنني قد تعبت وشقيت في جمع هذه الأموال وأما الشخصية الثانية فاسمه عبدالرحمن وهو رجل مليونير أيضا وهو أيضاً يتسم بغرابة الأطوار والبخل والشفاحة وهو موظف حكومي على المرتبة الحادية عشر ويعمل في العقار أيضاً وبرغم ذلك فإن هيئته وملابسه رثة ولديه ونيت قديم موديل 87 وصحن الونيت صدئ ومتآكل وبابه الخلفي مربوط بحبل وهذا الرجل متزوج ولديه أولاد وكان يجلب لأولاده الملابس التي من الأكشاك التي بجانب بعض المساجد التي يضع الناس فيها تبرعاتهم  من الملابس والأحذية  لكي تأتي الجمعيات الخيرية لتأخذها حيث يكون فيها ملابس وجزء منها به أحذية فيأتي عبدالرحمن بعدما لايلاحظ أحد حولها فيقوم بأخذ مافيها جميعا وهو يقوم بالمرورعلى هذه الأكشاك مابين وقت وآخر ليأخذ هذه الملابس والأحذية حيث يغسل بعض الملابس إذا كانت متسخة ويأخذ أيضا النظيفة فيجعل عامل المغسلة يضع النظيفة في الباغات ويغسل المتسخة ويكويها ويقول لعامل المغسلة هذه الملابس سأخذها إلى مساكين ليلبسوها لأجل أن يقول له عامل المغسلة لن آخذ منك قيمة الغسيل والكوي وبعد أن يأخذها في سيارته فبعضها يبيعها في حراج بن قاسم والبعض الآخر يذهب به للبيت لأجل أن يعطيه لأولاده وعندما طالبه أولاده باللحم كان يتضايق ولكن وجد حيلة وهو أن يذهب في نهاية كل أسبوع الخميس ليلة الجمعة وليلة السبت إلى قصرين للأحتفالات وهما القلعة والجليسان حيث يحضر بدون دعوة ويضع بشته تحت إبطه منتظراً وصول العريس ليدخل معه بعد أن يلبس البشت لكي يوهم الآخرين بأنه من أهل العريس لأجل أن يأكل من العشاء ويزدرد اللحم ويملأ بطنه من الرز وقبل أن يخرج  يذهب إلى  السوداني المسؤول عن القصر ويذكره  بأن يرسل الفائض إلى بيته لأجل أن يوزعه على الفقراء والمساكين بمعرفته  بدلا بأن يرمى الأكل ولكم الأجر فيقول له السوداني جزاك الله خيراً ويقول له أيضا هذا المشفوح  إذا عرفت عن  قاعات زواج أخرى عندهم فائض في الأكل فأعطهم رقم جوالي لكي نشركهم في الأجر وكان عبدالرحمن لا يوفر حتى مراسيم العزاء أيضا في مسجد عتيقه وأم الحمام أو الراجحي فيصلي على الجنازات ويختار الجنازة التي سيتبعها ويشارك في دفنها لكي يضمن الغذاء أو العشاء والفاكهة والقهوة والشاي ومرة في أحد مراسم العزاء رأى جنازة رجل سيصلى عليه في المسجد مكفن في بشت جميل ومن النوع النفيس فركز على أن يتبع أهل هذه الجنازة بعد الصلاة ليقبره ويدفنه معهم وعينه لم تنزل من على البشت وحينما رأى الذي وضعه في القبر قرب منه بعد أن فرغوا من دفن الميث وجاء له وبادره بالسؤال وهو يتباكى وقال له :ماذا تقرب للمرحوم فقال هذا والدي فأخذ عبدالرحمن المشفوح يتباكي وقال لأبنه: أبوك كان طييا وعظيما وصديقاً لي لم أره منذ فترة طويلة بحكم مشاغل الدنيا ثم قال لابنه: بطلب منك طلب وأرجوك لاتردني فقال ابن المتوفي: أطلب ماتريده مادام أنك صديق المرحوم فقال أريد بشت والدك رحمه الله ليكون لي ذكرى وأدعو له فـأعطاه الولد بشت أبيه ثم ذهب وهو فرحُ من الداخل مستهزئاً بهذا الولد المغفل المبذر وكان يجعل أولاده ينامون كمجموعات في ثلاث غرف برغم أن بيته موجود به غرف كثيرة في المنزل ولكن لكي لاتصرف كهرباء من مكيفات وإنارة وكان يجبر عياله على أن تكون في الغرفة لنمبة واحدة ،ولكن بعدما كبروا أولاده لم يعد يطيقون تصرفاته ولايريدون العيش مع والدهم حتى زوجته طلبت الطلاق منه لبخله وشفاحته ومنظره الرث وبعدما تركه أولاده كان لديه السواق فعمل له خروجاً نهائياً لكي يتسنى لعبدالرحمن المشفوح بأن يسكن في غرفة السواق وأما بيته فقد أجره لكي يستفيد من فلوس أجاره لكي يضعها في البنك وعاش عبدالرحمن في هذا الملحق وحيداً وأزال بقية اللمنبات التي في غرفة السواق وأبقى على لنمبة واحدة في الغرفة وأما أولاده فلقد ذهبوا ليعيشوا مع أخيهم الكبير الذي كان لاتعجبه تصرفات والده وخاصة أن عمه أخو أبيه حالته المادية متوسطه مقارنة بوالده ولكن عمه وعياله عايشين في أحسن حال عنهم وكل واحد من عياله معه سيارة وعايش عمه وعياله في حب وتفاهم مع بعضهم وكان بيت عمه لايخلى من مناسبه إما عازم الاقرباء أو أصدقائه أو أحيانا الجيران، وكأن عمهم هو المليونير فقد كسب عمه صيت الغنى بعكس والده الذي كسب صيت الفقر والشفاحة والتطفل على موائد الآخرين وفي ختام هاتين القصتين عن الشفاحة والشح والطمع يتضح لنا بأن ذلك مرض نفسي ناتج عن فقر في النفس ولقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال” ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)).

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …