لا تجعل الآخرين يتحكموا في حياتك الخاصة

قبل أن يصعد أحد أصدقائي المنصة للتصوير مع زوجته وأمه وأخواته في ليلة عرسه، استوقفه قريبه. سحبه من معصمه حتى كاد أن يخلع يده وجره إلى زاوية قصية. طلب منه بصوت خفيض ألا يبتسم لزوجته أمام الحضور حتى لا يعتقدوا أنه غير مصدق أنه ارتبط بها وأنه (ميت) عليها؛ فتغتر عليه ويصبح علكا يلوكه الناس. استشهد عمه بقصص عدد من أقاربهما الذين سمّاهم (خرافا) دلالة على خضوعهم لزوجاتهم وإظهارهم مشاعر السرور في زواجاتهم على رؤوس الأشهاد.
أذعن صديقي لنصيحة عمه خشية أن ينضم إلى قائمة (الخراف) مبكرا. كلما صعد درجة في اتجاهه إلى (الكوشة) لمصافحة زوجته ازداد تجهما وعبوسا. حاولت المصوّرة الفلبينية، التي تلتقط له وزوجته الصور التذكارية أن تثنيه عن تكفهره؛ لكنه لم يعبأ بمحاولاتها. كلما طلبت المصوّرة من زوجته أن تمسك بيده من أجل ألبوم الزواج المرتقب سحبها. واصل صديقي عبوسه وتقطيب جبينه حتى هبط من المسرح وغادر القاعة.

اعتقد صديقي أنه أطفأ أحاديث الناس في مهدها بتجهمه لكنها أشعلها. فقبل أن ينصرف من القاعة شرع الحضور في التساؤل والدعوات: “ألا يحبها؟ هل بينهما مشكلة؟ أعانها الله عليه”.
الأسوأ لم يأت بعد. خيمت غمامة حزن على شقتهما الصغيرة عندما تسلّما ألبوم زواجهما وصورهما الأولى المشتركة. كانت صورا بائسة، حزينة، ومثيرة للشفقة. العروس تبتسم والعريس متجهم كأنه في سرادق عزاء. ازداد الحزن كثافة عندما عرضا الصور على محيطهما. درءا للمزيد من خيبات الأمل أمام أبنائه وأحفاده في المستقبل أتلف الزوج الألبوم إثر تجهمه، الذي لم يقرأ أبعاده وتداعياته عندما اقترفه في أجمل لحظات عمره.
إننا نرتكب أخطاء لا تغتفر عندما نسمح للآخرين بتسيير حياتنا وقيادتنا. إننا عندما نصغي إليهم لن نذهب حيث نريد، بل إلى ما يريدون. لهم حياتهم ولنا حياتنا. دعهم يقولون عنك (خروفا) وأنت ترفل وتستمتع بحياتك، على أن يقولوا عنك (مغوارا) وأنت بائس في حياتك تتجرّّع المرارة تلو الأخرى. كلام الناس لن يطعمك شهدا، بل علقما. لن تسعدهم مهما فعلت وقمت.
استمتع بحياتك وقم بما يمليه عليك دينك ثم ضميرك. الحياة ستعيشها مرة واحدة. فتذكر أن تبتسم أمامها. فالمصوّر لن يلتقط لك صورة أخرى.
عبدالله المغلوث

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …