الظلام يجعلنا أقرب

في تلك الليلة إنقطعت الكهرباء،فقلت في نفسي ” لماذا إنقطع تيار الكهرباء فأنا منذ يومين قد سددت الفاتورة، فقلت ربما هناك إلتماس في البيت لأجل ذلك قفل الطبلون المركزي للبيت” فخرجت إلى الطبلون الخارجي الذي عند الباب الخارجي للبيت وأنرت بضوء الجوال ووجدت مفتاحه على on مفتوحاً لم يغلق, ونظرت للجيران والحارة بكاملها فكان الظلام قد أرخى سدوله عليها وهو السائد فقلت في نفسي ” الحمد لله بأن الكهرباء قد إنطفئ في الليل وليس بالنهار” وكانت ليلة مظلمة لأن السماء ملبدة بسحب صيفية كبيرة متقطعة حيث لانرى قمراً ولانجوم، فوجدت الجميع قد إنطفأ عليه الكهرباء ورأيت بعض الجيران عند باب بيوتهم وتبادلنا التحايا والسؤال عن الحال، ونظرت للبيوت ورأيت بأنها قد أصبحت تشبه بعضها بعضاً لحد كبير،ورأيت بأن الحارة قد إنكمشت  بسبب هذا الظلام الهائل وأصبح هناك هدوء وصمت وسكون عجيب،ثم دخلت المنزل وتفقدت أهلي وأحفادي الصغار وأشعلنا بعض الشمعات للإجتماع حول العشاء وجلسنا نتحدث قليلاً، والغريب مع الوقت لاحظت بأننا تأقلمنا مع هذا الوضع بهذه الطريقة فتذكرت حياة الأجداد كيف كانوا يعيشوا على إضاءة السرج ليلاً وفي الليالي الباردة أيضاً يشعلون النار بالمدفأة حيث كانوا لا يعرفون الكهرباء ،وكان ليلهم أكثر دفئ وحميمة عن الآن برغم وجود الكهرباء والتلفاز والأجهزة اللوحية والكفية،فصعدت إلى مكتبي وأشعلت شمعة صغيرة رائحتها زكية ،فصرت في هذا العتمة أسمع همسات مابداخلي بوضوح،وكان الليل وهدوءه يحمل أيضاً همسات وضحكات الجيران المختلفة بوضوح بدون قصد مني للتنصت والغريب أنها كانت واضحة ومسموعة حيث كان بعضهم يكلم بجواله أعطال الكهرباء، بعكس تلك الليالي المضاءة بالكهرباء، لقد كان مايقلقني هو المرضى وفساد علاجاتهم في الثلاجة حيث لايتحمل الأمر إنقطاع الكهرباء طويلاً،وكذلك فساد المواد الغذائية المخزنة في الثلاجات والفريزر إذا طالت فترة الإنقطاع، وأما أنا وأولادي وبناتي فقد تعودنا على ذلك سريعاً،ويمكن أنني قد تعودت بسبب أني قد عشت بطفولتي لفترة طويلة في المزرعة حيث كنت أتمتع ليلاً بالنظر للنجوم والقمر حينما تكون السماء صافية بعيدة عن أضواء المدينة، أو حينما أخرج للبر وأبات هناك بالمخيم حيث يأسرني هدوء الليل في البر ومنظر النجوم والقمر وتخاطف نيازك السماء، لقد إكتشفت ميزة في الظلام وهو أنه يجعلك تتأمل وتكون قريباً من نفسك و تكتشفها أكثر، كما أنه يخلق جو من الترابط والحميمة بين العائلة والناس، أكثر من الأجهزة الحديثة التي أفقدت الناس التواصل برغم أنها قد جعلت العالم كبيت صغير.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …