إلهام في وقت السحر

كان الوقت ساعة السحر حيث الثلث الأخير من الليل قبل طلوع الفجر، وكان الهدوء يلف المكان وكنت أسمع فقط قطرات المطر تطرق نافذة غرفتي وحين سقوطها على الأرض ، فكان وقتاً ساحراً لبداية ولادة النور من رحم الظلام، فاعترتني حالة روحية وكأن هذه السحابة التي تسح قد مسحت على قلبي لكي يزهر من بعد يبس ويرق من بعد غلظة فرغبت بصلاة الوتر بعدما توضأت وحين فرغت من الصلاة والأذكار سمعت صوت البلبل يصدح وشعرت بأن روحي قد خفت وأصبحت شفافة وأنه قد مسها النور وندى هذا المطر فإذا هي كالزهرة التي مسها الطل، فخلدت إلى مهجعي منتظراً أذان الفجر ونظرت إلى ستارة نافذة غرفتي ووجدت بأن الظلام لازال سادل رواقه وفي هذه الأجواء جالت في بالي أفكار وخواطر وخطر على بالي عبارات جميلة تصلح لعمل أدبي  مثل خاطرة أو قصة ،ووجدت بأني سعيد لتوارد هذه العبارات على خاطري فألفيتها آية في الإبداع بعدها أخذت تتكاثر على ذهني عبارات وكلمات بسبب هذه الأفكار وكأنها هالة من نور وشعرت بأن ذهني قد إستيقظ وعدلت من وضعي بالاستلقاء على السرير إلى الجلوس ثم أخذت القلم والدفتر اللذين كانا موضوعين على خوان السرير بجانبي وشعرت بأن عرقاً في رأسي  قد أخذ يدفع الدم بقوة فكانت تأتي الكلمات الواحدة تلو الأخرى بشكل سريع منطقية و منتظمة ومتماسكة لها اسئلتها وأجوبتها معاً  في صور تعبيرية جميلة تراكمت فيها المناظر بعضها فوق بعض، فكنت أكتب كالمذهول من الذي كتبته وكأنني في سباق من هو أسرع في الكتابة فصرت املأ الورقة تلو الأخرى وقد أصبحت الكلمات مترابطة في نص جميل في أكثر من عشرين ورقة فدخلني شعور بالطمأنينة وبدأ لي ما كتبته حقيقياً وكنت سبحان الله قبلها بأيام عاجزاً عن الكتابة ولكني هذه المرة أكتب بالذي يرد على ذهني وكأن شخصاً يملي علي بسرعة وبدون أن يتوقف القلم للحظة بسبب توارد الكلمات بسرعة حتى أن بعضها يفلت مني  ولم استطع اللحاق به وتدوينه لعدم استطاعتي مجاراتها مع أني قد بذلت أقوى مالدي بسرعة الكتابة حتى شعرت بأن تدفق العرق الذي في رأسي قد هدأ وشعرت بأن حبل الأفكار قد توقف ،وبعدما راجعت ماقد كتبته شعرت بالغبطة والراحة والسعادة لأنه كان جميلاً قد أرضى الناقد الذي بداخلي وبعدما فرغت من الكتابة أذن الفجر فصليت في المنزل واستلقيت على مضجعي ، فلو لم أكتب الذي ورد على خاطري من أفكار وجمل سأنساها حتماً في اليوم الآخر ولا أذكر شيئاً وبعد ذلك ألوم نفسي لماذا لم أدون ما شعرت به من تلك الأفكار والكلمات، فأحياناً تداهمني أفكاراً وكلمات عند وقت السحر ولا أشعر بالراحة حتى أفرغها على الورق حينها أنام مطمئناً ومرتاح البال فالكتابة برغم أنها جميلة إلا أنها ملحة مقلقة تريد إهتمامك و حضورك في  وقتها ولا ترضى بأن تتشاغل عنها لأنها أشد غيرة من الأنثى.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …