قراءة في رواية أشباح الجحيم لياسمينة خضرا

عندما قرات عنوان الرواية أشباح الجحيم كنت أظنها تتكلم عن شخصيات خيالية لرواية من نوع الفانتازيا ولكن بعد قراءة المزيد من الصفحات وجدتها مثيرة وتتكلم عن الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003وتبدأ القصة بالنهاية كما هي عادة ياسمينة خضرا وذلك عن وجود شاب عراقي في بيروت لا اسم له وهو البطل من قرية عراقية أسمها كفر الكوم قد حضر من العراق في مهمة وأسكنوه المنظمة السرية في فندق وكان لقاؤه في لوبي الفندق بمفكر لبناني مشهور ودار بينهما بعض النقاش عما يجري في العراق والصراع ما بين الشرق والغرب. ثم تبدأ قصة الرواية من البداية عن الشاب بقرية كفر الكوم وعن الحياة البسيطة مع بعض الرفاق الذين يمضون نهارهم في المقهى عاطلين عن العمل وكل يوم يشبه الذي قبله في روتين قاتل في قرية هادئة تقع بصحراء شاسعة في العراق يعيش أهلها حياة بسيطة كانت مطمئنة وآمنة بعيدة عما يجري في بغداد والبصرة والموصل والفلوجة من عمليات مقاومة وإرهابية وعسكرية من جانب تحالف الجيش الأمريكي والعراقي والتي كان أغلب ضحاياها من العراقيين أكثر من الأطفال والنساء والشيوخ وقليل من الجنود الأمريكان والسبب هو تواجد المدنيين في أماكن العمليات لأن العبوات الناسفة الموضوعة في داخل أجهزة كهربائية مثل تلفاز أو ثلاجة أو مسجل عشوائية لا تفرق ما بين المدني العراقي والعسكري الأمريكي والعراقي وقد استطاع الكاتب يجعلني أعيش أدق التفاصيل في سرد جميل وغامض في تشوق لما سيحدث وماذا ستنتهي الأمور عليه كانت فعلاً أشباح الجحيم تزرع الموت في كل مكان وتختفي من خلال تفاصيل الصراع النفسي الداخلي والصراع الخارجي ولفت نظري هو استخدام الإرهاب البيولوجي من خلال غرس فيروس في جسم المجند الذي هو بطل الرواية الذي سيقوم بالعملية عن طريق حقنة على أن  يذهب إلى لندن كي ينشر الفيروس هناك في الأماكن العامة ولينتشر الفيروس هناك في بريطانيا وأروبا قاطبة ليكون الضحايا ليس بالآلاف ولكن بالملايين ولقد كان الصراع في داخل البطل المجهول الاسم عن كيفية غسل عاره والدفاع عن وطنه وكيف انه أصبح كارهاً لذاته ومحبها في نفس الوقت ثم يقدم حب ذاته باقتصار الأذى على نفسه ليفضل أنه يموت بالفيروس القاتل ولا يقتل بها الناس الآخرين ثم يتم اقتياده  لمكان مجهول من المطار لأنه تردد في الذهاب إلى الرحلة وقتل من مجموعة من الأصوليين لأنه لمن ينفذ المهمة الموكلة إليه وهذه في عرفهم خيانة وتبدأ قصة الصراع الذي غير بطل الرواية عندما كان عند الحداد  يجلس عنده في حانوته ليتناول معه الشاي ثم لحظات وجاءت البنت الصغيرة تصرخ لأبيها الحداد وتقول أن سليمان هرب وقد قطع أصابعه بعدما قطع السلسلة في السلم الحديدي وهو بدون أصابع وينزف منه دم كثير ثم ركض الحداد نحو منزله وسط صيحة أهل البيت وطلب من زوجته بالكف عن الصراخ والبحث عن قماش نظيف وجمع الأصبعين المقطوعين بعد مسحهما ووضعهما في منديل في جيبه ثم قال للبطل يجب أن ننقله للمستشفى فذهب البطل وأبلغ خالد صاحب سيارة التاكسي الفورد القديمة فأعتذر لأن ضيوف سيأتون لخطبة أبنته وقال خالد تعرف تقود السيارة فقال له نعم وأخذ مفتاح السيارة وبعدما قربت السيارة لبيت الحداد ركب فيها هو وابنه سليمان وأخذوا يغذون السير في الطريق البري بالصحراء وكان المستوصف يبعد حوالي70 كيلو متر وكان سليمان قد جرح نفسه لأنه مريض نفسياً وكان يظل صامتاً ثم فجأة يصرخ وينطلق مسرعا إلى أي مكان حتى يسقط من الأعياء ويغمى عليه لذلك كان أهله يربطونه  لكي لا يؤذي نفسه وثم راوا في الطريق شاحنة تحترق ثم أخذوا مساراً آخر غير هذا الطريق وبعد مئات من الأمتار كانت تحوم في الأفق طائرة مروحية وبعد عدة كيلو مترات رأوا أمامهم نقطة تفتيش على الطريق كانت عبارة عن كومة تراب خلف أكياس من الرمل والبراميل وأوقفوهم من قبل عسكري عراقي وقال للبطل أوقف المحرك وضع يداك على المقود ثم سألهم من أين جئتم وإلى أين أنتم ذاهبون  فخبروه بكل شيء  وقال أن معنا مختل عقليا قد آذى نفسه وقطع أصبعيه ثم أقترب عسكريان أمريكيان وفتشوا السيارة وأمروه بفتح صندوق السيارة  الخلفي والغطاء الأمامي للسيارة فقال الحداد أرجوكم لا تصرخوا فأبني سيخاف وتأتيه الحالة فلم يفهم الأمريكي وأخذ يصرخ ويهدد باستخدام الرشاش ثم خرج سليمان مرعوباً من السيارة وهو يجري ويصرخ لا يلوي على شيء وعيناه جاحظتان وظنوا العسكريين الأمريكيين بأنه يحمل حزاماً ناسفاً فنخلوه بالرشاش من رأسه حتى أخمص قدميه وأنفجررأسه ثم توقف عن الركض ليسقط وهو ينز بالدماء  ثم وجد البطل نفسه يتقيأ من الغثيان ويسقط من هول المنظر وقد أغمي عليه ولم يصحو إلا وهو مقيد اليدين في الخلف فجاءت سيارة الاسعاف ثم أخذوا الجثة ولم تسلم لأبيه الحداد إلا بعد ثلاثة أيام بحجة استكمال التحقيق  وأما الحداد والبطل فقد أعادتهم دورية الشرطة إلى القرية  وأما خالد صاحب التاكسي فقد وافق على إعطاء ابنته لأهل هيثم ملاك البساتين الت تقع على مقربة من كفر كرم وفي الليل وصل موكب من عشرة سيارات لأخذ العروس وأهلها في 10 سيارات مزينة بالشرائط وكان هناك مصور متجول بالكاميرا على كتفه ثم ذهبت السيارات إلى أهل هيثم وكان البطل مع صديقه كاظم يتابعون الحفل وقوفاً من جدار السطح وبعدها بلحظات سمعوا دوي انفجار قوي حتى قال شخص بأنها طائرة قد سقطت والجيران هلعين وهم يغادرون سطوحهم وجاء الخبر بأن صاروخاً قد سقط على ملاك البساتين الذين هم أهل العريس وذهب الناس هناك لرؤية ما حدث لمد يد المساعدة وذهب البطل وصديقه كاظم إلى هناك وعندما وصلوا كانوا يسمعون العويل والصراخ والنداءات هنا وهناك وتحت الأنقاض بسبب الجد المهدمة والدور المحترقة وروائح الدخان والجثث المحترقة ونتج عن ذلك 17 جثة  أغلبها من النساء والأطفال كانت مسجاه بجانب بعضها ومحاطة بالأهل المكلومين والممرضين وسيارات الاسعاف التي وصلت هناك ثم وصلت سيارة الشرطة مدعومون بشاحنتين العساكر وصار العرس ميتماً وتحول الفرح إلى عزاء وبعدها بفترة قصيرة داهم العسكريين الأمريكان آخر الليل بيت أهل البطل وهم نيام وقام العسكريين بتفجير باب المنزل ومداهم المنزل برشاشاتهم والأضواء الكاشفة وصوبوا فوهات رشاشاتهم  لأخواته وأطفالهم ثم سحبوا البطل من فراشه وضربوه وأوقفوه على الجدار واضعاً يديه على رأسه وكسروا خزانة ملابسه ونثروها على الأرض وكسروا مذياعه وفتشوا المنزل ثم سحبوا البطل من على الدرج ولم يرحموا صراخ الأطفال والنساء ووالده الشيخ الكبير الذي كان يلبس فانيلة علاق وسروال قصير وكان يتوسلهم بأن يلبس ملابسه ليقابلهم وعندما أدار ظهره ليلبس شيء يستره ضربه عسكري بأخمص البندقية وسقط والده على ظهره وبان قضيبه وخصيتيه وبعدما أخذوا البطل وسجلوا أقواله ولم يجدوه في صور مطبوعة أطلقوا سراحه وبعد هذه الحوادث المأساوية التي مرت على البطل ضاقت عليه الأرض بما رحبت وشعر بالعار وأخذ الكاتب يصف صراعه مع نفسه حيث كان يغلى من الداخل حتى أثر ذلك على تصرفاته ومواقفه وقراراته من خلال المشاكل المختلفة والمتعاقبة التي يعاني منها والتي رآها واضحة جلية العين عندما ذهب إلى بغداد عن طريق الركوب في الشاحنات والحافلات لزيارة اخته الدكتورة فرح وخافت من وجوده عندها لكي لا يجلب لها المتاعب لأنها رأت في وجهه رغبة الانتقام فسار تائهاً في شوارع بغداد وكان يعاني من الغضب والاستياء وخيبة الأمل والخوف والكراهية والرغبة في الانتقام لكرامته التي انتهكت وحولته هذه الأمور من شخص محب للحياة وحالم بسيط إلى شخص يفكر في الموت والانتقام  من المحتل الأمريكي إنها اضطرابات عصفت بشخصية البطل البدوي  من خلال العوامل التي تسببت في ذلك رغماً عنه في أن يخوض الصراع الخارجي وقد استخدم الكاتب علم النفس الأدبي ليشرح مراحل طبيعة تكون الرغبة في الانتقام العميق بسبب الضغوط التي تولد الانفجار وكما في قانون نيوتن “لكل فعل ردة فعل مساوية في المقدار ومضادة في الاتجاه ” ولكن هذا الصراع الداخلي خياراته لا تطابق الواقع بسبب ضراوة الصراع الخارجي الذي كان ناتجاً عن الهجوم الأمريكي على العراق عامة واحتلاله والتهجم على قريته وبيته وعائلته خاصة  فهذه رواية شيقة في أسلوب سلس وسرد جميل لتاريخ معاصر في وقت صدام حسين رحمه الله ويغوص في أعماق الشخصيات وتناقضاتها في قضايا شائكة  في حوار يشرح الصراع ما بين الشرق والغرب بسبب سوء الفهم والتفاهم والعنصرية والغضب وثقل التاريخ والتفريق ما بين المقاومة المسلحة وبين العمليات الإرهابية وكذلك إمكانية الحوار والتعايش ما بين الشرق والغرب.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …