خواطر مريض بالزهايمر

أشعر بالوحدة وكأني في صحراء التيه، وأنسى مَن أنا وأين أكون وماذا فعلت اليوم وماذا أكلت؟ أشعر بالعجز في عقلي لدرجة أنني لا أتذكر ماذا أكلت في الصباح أو هل حصلت على وجبة الغداء؟ بل أنسى هل صليت الصلاة بوقتها؟ وماذا قرأت في كل ركعة؟ وكم ركعة صليت؟ وأصبحت أصلي في المنزل لأنني في آخر مرة قد خرجت من المنزل لأداء الصلاة في المسجد قد ضللت طريق العودة إلى المنزل رغم قرب المسجد من بيتي؟ وصرت أشعر بأني عبء على من حولي الذين نسيت أسماءهم من أولادي وبناتي، ويحز في نفسي أني لا أتذكر حتى أسماء أصدقائي حينما يأتون لزيارتي أو يتصلون بالجوال علي، أصبحت لا أفهم نفسي ولا أفهم العالم الذي من حولي وأصبحت حياتي كئيبة رتيبة وبروتين دائم وممل، لأنني لا أعرف أين أنا ومن هم الذين من حولي وما اسمي ومن هم أهلي؟! أصبحت أفكر كثيراً وأشعر بأن مخي يتألم من كثرة التفكير، وأصل لنتيجة واحدة، وهي أنني عاجز. هل هذا إشارة لقرب رحيلي عن هذه الحياة؟! لقد أصبحت آلف الكنبة التي أجلس عليها والسرير الذي أنام عليه، أشعر وكأني معزولاً وغريباً عن هذا العالم في جزيرة مع أشخاص غرباء أعرفهم من وجوههم، ولكني لا أعرف من هم؟! أشعر بأني أحبهم ولكن لا أعرف شيئاً عنهم، لأني أحس بأني من غير ماضٍ وليس لي مستقبل، وأني قد جئت لهذه الحياة لأصبح بلا جدوى لأني على الهامش لا أصنع شيئاً، يأتيني أحياناً رجل يبتسم لي، وأحياناً امرأة في البيت، أما الرجل فهو يقول أنا ابنك، وأما المرأة فهي تقول إني زوجتك، ولكني لا أتذكر شيئاً عنهم، هم يشربون معي القهوة والشاي ويجعلونني آكل معهم، ويعطونني الدواء، ويلاطفونني، ولكن لا أعرف أسماءهم!! وهذا ما يزيد من معاناتي وألمي، ويشعرني بأني عاجز وثقيل على من معي في هذا المكان، ولكن هناك شيئاً يريحني فقط وأعرفه ويشعر به قلبي وأرتاح إليه، هو ذكر الله الذي دائماً على لساني، لذلك أدعو الله كثيراً، ولكن مصحفي الذي لا يفارقني لم أعد أستطيع القراءة فيه كما في السابق، وحتى الكتابة أصبحت لا أعرف عنها شيئاً، ولكن الغريب أني لا أعاني من مرض يقعدني عن الحركة، فأنا بصحة جيدة، وكل صباح أتمشى في حديقة المنزل بالحوض، وأقرب من النخلة، وشجرة الليمون، وشجرة السدر، حيث أراها كل يوم من شرفة غرفتي الزجاجية المطلة على الحديقة والسماء، حيث أرى النور في الصباح، وزرقة السماء، وأسمع غناء الطيور والحمام على الشجر، وأرى الغيوم وهطوالمطر، وهذا مما خفف عني وحدتي في عزلتي في إقامتي الجبرية، وأقول في نفسي ربما أراد الله بي خيراً ليمنع عني مصائب لا أطيق لها صبراً، لذلك كانت السجادة للصلاة وذكري لله بالمسبحة التي في جيبي، ولكني أشعر بالخجل والحرج الكبير عندما يجلس شخص يقول إنني ابنك أو قريبك أو حفيدك أو صديق أو يسألني عن شيء ولكني لا أتذكره، حيث أشعر بضعف كالطفل الغرير لأنني أخاف إذا خرجت للحوش لأنني لا أستطيع العودة إلى كنبتي وفراشي، فيأتي رجل معي في البيت أو بنت تأخذ بيدي إلى غرفتي، وهناك من يأخذ بيدي للحمام كي أقضي حاجتي وأتوضأ للصلاة أو أغتسل، وبعدما أخرج أبحث عن غرفتي حتى يأتيني شخص ويأخذ بيدي مرة أخرى إلى غرفتي، وأكون سعيداً حينما نخرج في السيارة إلى المزرعة أو للبرية مع هذا الشخص اللطيف الذي معي، ويعد لي القهوة والشاي والغداء، ويتحدث معي بود ويبتسم في وجهي، وهو دوماً يقول لي اسمه ولكني أنساه، ولكني أحبه لأنه لطيف المعشر ولا يشعرني بأني عاجز أو ثقيل عليه، كما أنني لا أعرف الوقت، وكل الذي أعرفه هل هو نهار أو ليل، وأعلم عن ذلك بنور النهار في الحوش، وإضاءة الأنوار ليلاً، وأتسلى أحياناً بمشاهدة قناة الحيوانات في التلفاز بغرفتي، أو سماع الراديو القديم الذي أتسلى بخنخنته عندما أبحث عن محطات، ولكني أنسى بعد فترة وجيزة ماذا شاهدت، وعن ماذا سمعت.

معاناتي في الحياة تكمن في أن عالمي قد أصبح صغيراً جداً على مقاسي ولا أعرف به أحد سوى نفسي، ولكني أنام نوماً عميقاً لأني لا أفكر في مسؤولية.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …