الجزء 1قصة من تحت الضباب

image
سافرت لدولة لم أزرها من قبل، وعندما نزلت من المطار أقلتني سيارة إلى الفندق وكنت أشاهد من خلف نافذة السيارة المدينة التي أراها مسجاة بالضباب والغيوم ومع زخات المطر الغزير،وكان مشهداً سفرياً يظهر لي في أبهى وأجمل الصور، فأخذت تغسل هذه الأمطار الشوارع والاحياء دون توقف و كانت أضواء المدينة الملونة في كل الاتجاهات ومنعكسة على الشوارع، مما يضفي على الجو رومانسية شتوية معطرة ويدغدغ مشاعري بأشياء غريبة،

image
و يهزّ عواطفي لتتناثر منها الأفكار كقطرات المطر فوصلت الفندق وقابلت موظف الاستقبال الذي تأكد من بياناتي وحجزي و حياني مبتسماً ومرحباً بوجودي في فندق هذه المدينة وأخذ العامل شنطتي وأخذني إلى جناحي ثم وضعت أغراضي في الدولاب وغيرت ملابسي واخذت الروب ودخلت الحمام لآخذ دشاً دافئاً لأريح أعصابي بعد عناء السفر وبعدما ما فرغت من ذلك لبست البجامة ثم ألقيت بنفسي على السرير وأنا منهك ثم طلع الصباح حيث أفقت على صوت العصافير والكناري مع رائحة الصباح الشتوية المميزة والذي يغلب عليه رائحة القهوة والكيك ثم نزلت للوبي وجلست هناك ولقد كان حولي همسات أشخاص من جنسيات مختلفة ثم قمت وأخذت طبقاً ووضعت به قطعتي كيك ثم أخذت كوباً وملأته بالقهوة ثم أخذت أقضم من الكيك وارتشف من القهوة عدة رشفات مع تأمل للجو الجميل وقطرات على زجاج الفندق ثم قررت أن أخرج من الفندق وأتمشى لأتنفس ندى هذا المطر والتمتع بهذا الجو الجميل الذي يكسوه الضباب مع قطرات المطر،وعندما خرجت رأيت هناك من هو يمشي مسرعاً للحاق بعمله وهناك بعض الباصات والسيارات التي تنقل الطلاب والطالبات للمدارس وهناك بعض التجار يصفون بضاعتهم في محلاتهم وهناك من خرج ليشتري وكنت منتصباً لابساً جاكيتاً طويلاً وحاملاً مظلتي لتحميني من المطر رحت أمارس هواية الفضول لدي في هذه المدينة ثم بدأ لمعان البرق يرسم لنفسه خطوطا في الأفق بشدة وأخذ صوتَ الرعد يزمجر بغضب ليوثق به عظمة الله في قسوة الشتاء، ثم لم أستطع أن أكمل السير والاستكشاف في طرقات تلك المدينة وأوقفت تاكسي ليقلني إلى الفندق وجلست في المقعد الخلفي للسيارة ووضعتْ مظلتي في الخلف وحيان صاحب التاكسي وقال لي: أين تريد أن تذهب يا سيدي فقلت له :،إلى الفندق الذي في أقصى هذه الناحية بالقرب من الميناء و عندما تحركنا قليلاً رأيت أمامي من بعيد فتاة تلوح بيدها للسيارات في هذا المطر الغزير ولكن لا أحد يقف لها فقلت لصاحب التاكسي : قف عند هذه الفتاة أظن أن لديها مشكلة ما وعندما وقفنا بالقرب منها قلت لها : تفضلي أركبي ياسيدتي فركبت معنا وألقت علي التحية وقالت :شكراً جزيلا لك يا سيدي و أبتسمت فقالت لي وهي غاضبة: لقد مكثت أكثر من ساعة على جانب الطريق وأنا في هذا البرد و تحت المطر وكنت ألوح لجميع السيارات ولكن لم يأبه أحدُ لي وأظن أن الرجولة قد ماتت في هذا الزمن حيث تعطلت سيارتي وأردت طلب المساعدة ، فقلت لها: يا سيدتي لا تحزني هل تريدين أن ننقل سيارتك الآن أو نحضر لها ميكانيكياً ، فقالت: لا ليس الآن ولكن غداً في الصباح الباكر وما إن ركبت هذه الأنثى حتى دب الدفء في السيارة وشعرت بان الحياة عادت لأوصالي المرتجفة شيئاً فشيئاً، وأحسست بأني بالقرب من دفاية ولقد كان المطر يرتطم بزجاج السيارة الأمامي والخلفي لتأتي عليها ماسحات الزجاج مما بعث في نفسي الشعور بالهدوء والاطمئنان وينتزع منها إحساس الغربة و الوحشة بقوة من جنباتي فعندما وصلت للفندق عرضت عليها العشاء أو فنجان قهوة فشكرتني وأعتذرت بحجة أن أباها وأمها يتنظرانها منذ خروجها من الصباح الباكر لعملها ثم أعطتني عنوانها ورقم جوالها وقالت: لا بد أن تزورنا لكي يتعرفوا عليك أبي وأمي وإخوتي فقلت لها : أعدك بذلك ولي الشرف يا سيدتي، فأوصيت صاحب التاكسي أن يكون في خدمة هذه السيدة فيما تريد وأن يكون معها في مشاويرها حتى تصلح سيارتها وأن حساب كل ذلك لدي كما أخبرته أن يمرني في الفندق غدا مساءً وحاسبته عن مشواري ومشوار السيدة ثم دخلت الفندق وتوجهت للاستقبال وأخذت مفتاح جناحي وتوجهت لسريري وأنا مرهق ثم استلقيت مباشرة وغططت في نوم عميق وبعز نومي سمعت صوت والدتي وهي تفتح نافذة غرفتي و تقول لي : سلمان قم يا ولدي ستتأخر عن عملك.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …