قلقها من الصدمة وخوفها من العملية

قبلها بشهر تقريباً كان مع زوجته في موعد في عيادة المستشفى بعد تحاليل وأشعة وظهرت النتيجة بأن هناك ورماً في الثدي يحتاح للاستئصال ولقد أعطوها موعداً لإجراء العملية ولقد انهارت الزوجة في بادئ الامر لانهم سيستأصلون ثديها وربما ثدييها مما أثر ذلك على نفسيتها لأن ذلك سيشوه صدرها ويفقدها جمالها وربما يجعل زوجها يطلقها أو يفكر في الزواج عليها كل هذه الأمور كانت تدور في ذهنها وكانت قلقة ولقد قالت لزوجها أنا لن أقوم بالعملية حتى لا أفقد ثدي فقال لها زوجها : إذا لم تعملي العملية ربما يتمدد الورم ليصل لثديك الآخر وباقي جسمك وتعرضي نفسك للتهلكة وهذا حرام لأن الله قال “ولا تلقوا بأيديكم للتهلكة ” فلنستعن بالأسباب وأنا سأكون معك ولن أتخلى عنك مهما كانت النتائج ،فلما سمعت الزوجة هذا الكلام أطمأنت وقال الزوج استعدي حتى نذهب للمستشفى ولا نتأخر عن موعدنا وحينما ذهبا في الصباح الباكر قبل الموعد بقليل، دخلا المبنى ولكن الزوجة قد دخلت بخطى مترددة وخائفة حيث أحست بخوف فهل ستخرج حية أو ميتة أم هل ستتأخر عن بيتها وزوجها وأولادها الصغار ثم دخلا عبر باب زجاجي وشموا رائحة البنج والمطهرات في داخل عيادات المستشفى ثم توجها نحو الاستقبال وتقدم الزوج لموظفة الإستقبال ثم حدقت فيه بنظرات استفسار، ثم أخرج من جيب ثوبه الأبيض بطاقة المراجعة لزوجته لأجل الدخول عند الدكتورة في العيادة ثم دفعه بتأنٍ للموظفة ، فتسلمت البطاقة ثم أخرجت الملف ونظرت على الكمبيوتر وبعد نظرة سريعة فيها أشارت لهما أن يتفضلا بالجلوس في صالة الانتظار

أمضيا فترة الانتظار والزوجة خائفة قلقة تأخذها هواجس، لكنها قالت في نفسها بأنها لا تملك خياراً آخر لذلك، ثم قالت لعلي أشفى من الآم الليل، بعد هذه العملية ومرت عليها معاناتها كصور ، مثل شريط لحظات الحاضر والماضي يمر أمامها تتداخل الأفكار في عقلها و تتزاحم

ثم قالت في نفسها ما الفائدة من الخوف والقلق ؟! توكلي على الله وأفرغي مخيلتك من كل الوساوس والمخاوف و ركزي جيداً، فلو أن زوجك لا يحبك لم يهتم بك ولم يجرِ لك العملية ، إن الأمر بسيط وأنتِ تضخمينه.

ثم أخذت تقطع وقتها وتبدد قلقها بتركيز عينيها في شاشة تلفاز على حائط أمامها ، وتمنت بأن العملية تحدث في غمضة عين وتذهب لبيتها ولا تنوم في المستشفى لأنها لا تحب رائحة المستشفيات، فأغمضت جفنيها ثم فتحتهما،ولكنها وجدت نفسها لازالت تجلس في صالة الانتظار.

فقال لها زوجها لا تخافي من العملية فهي بسيطه ونسبة نجاحها كبيرة جداً فوق 90% إنها كوخزة الإبرة وستكونين تحت تأثير البنج

ثم بعدها بلحظات بدأ المكان يعج بحركة الموظفين والعاملين، ثم نادت عليه الموظفة نفسها طالبة منه تعبئة الإستمارة والتوقيع عليها بالنيابة عن زوجته، ثم قرأها وقال لماذا ذلك ، ثم قالت الموظفة لا تقلق هذه إجراءات روتينية قبل كل عملية، ثم أقتنع بأنها إجراءات روتينية

ثم بعد قليل جاءتهما ممرضة وقالت لهما تعالا معي ورافقاها إلى غرفة في الطابق العلوي، ولقد كانت ابتسامتها الحنونة ما فارقت شفتيها ثم توجها لغرفة رقم 25وضعت أمام الزوجة ميزاناً لتقيس وزنها، ثم صعدت الزوجة على الميزان ثم قالت الممرضة: ماذا ؟ 60كلجم فقط !

نظرت الزوجة للمرضة وابتسمت ابتسامة مع حزن،بسبب ذلك المجهول الذي ينتظرها ثم طلبت منها أن تغير ملابسها بالروب الخاص بالعملية وأن تجرد نصفها الأعلى من ملابسها، ثم فعلت الزوجة ذلك بمساعدة الممرضة ثم أعطتها روباً أبيض مغلقاً من الأمام مفتوحاً من الخلف، ثم على سرير مددت جسدها، فقامت بتغطيتها لوقايتها من البرد.

ثم بعد لحظات جاءت ممرضة أخرى بلبس مختلف، وألقت التحية مبتسمة،ودنت إلى الزوجة ، ثم أخذت بذراعها اليمنى وقاست الضغط، ثم تبسمت في وجهها وبعد ذلك توارت خلف الباب.

ثم أخذت الممرضتان تدفعان السرير وعليه الزوجة ثم دخلا في المصعد ونزلا في الأسفل حيث دخلا غرفة مجهزة بكثير من الأجهزة الطبية فقامت الممرضتان فوضعوها على سرير آخر فوقه جهاز وسلموها الدكتورة واختفتا

ثم ظهرت ممرضتان أخريان في غرفة العمليات وسارعتا بتجهيز اللوازم، بينما مختصة التخدير تزرع إبرة متصلة بأنبوب بلاستيكي في أحد عروق يدها اليسرى، ثم جاءت الدكتورة لترى كل شيء على مايرام ثم سألت الزوجة ما أسم زوجك وعن أسماء أولادها فلم تكمل الزوجة حديثها لأنها غابت عن الوعي والزوج بجانب زوجته مع الطاقم الطبي بلبس معقم وأما الزوجة انتقلت لعالم آخر بعدما أغمضت عينيها وكان آخر منظر حينما رأت زوجها ينظر لها ويدعو لها

و قال لها زوجها قبل ذلك : لا تخافي فهذا طبيعي إنه مفعول المخدر.

وبعدها بساعتين قالت لها الممرضة أفيقي ، أفيقي ، فالحمد لله على سلامتك ولا تشربي ماء إلا بعد ساعة

فدخل الزوج على زوجته وقال لها :الحمد لله على سلامتك

لقد تمت العملية بنجاح

ثم قالت الزوجة :ما هذا الطعم الذي في فمي..؟!

فقال لها الزوج : إن هذا هو طعم البنج

ثم جاءت ممرضتان بسرير

وقالوا لها الحمد لله على السلامة

ووضعوها على السرير

فقال لهما الزوج أين تأخذون زوجتي

فقالوا إلى غرفة التنويم فلابد أن تنوم عندنا يومين لنطمئن على حالتها

ثم أخذوها لغرفة بها سرير للمرافق وكان  زوجها مرافقاً لها

فلا تفتح عينها إلا وزوجها بجانبها إذا أرادت شيئاً

وفي اليوم الآخر جاءت الدكتورة ونظرت لملفها على السرير ووجدت بأن أمورها مستقرة وتأخذ الغذاء و العلاج في المستشفى بانتظام

ثم سأل الزوج الدكتورة عن حالة زوجته وقالت الحمد لله إنها مستقرة وإن شاء الله سنكتب لها خروجاً غداُ الساعة العاشرة صباحاً وأن الورم الذي في الثدي كان حميداً ولم يكن خبيثاً ولله الحمد وتم استئصاله، ولكن لابد من مراجعتها لنا في العيادة بإستمرار حتى نتأكد من حالتها الصحية،فعندما سمعت الزوجة ذلك شعرت براحة البال وأن ماقد مرت به هو ابتلاء من الله ليختبر إيمانها ولكي ترى هل زوجها سيقف معها في شدتها أم سيتخلى عنها.؟!

سلمان محمد البحيري 

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …