2- وسترجع مهزوماً مكسور الوجدان

عندما حرم محمد من محبوبته وزوجها أبوها برغم عنها ،قد أخذ محمد يشعر شيئاً فشيئاً بالوحدة القاتلة خاصة بعد وفاة والديه حيث قد أظلم عليه البيت وفضى ،وكما أن إخوانه وأخواته المتزوجين يريدون حقهم من الورث ،لذلك يريدون بيع المنزل وكل واحد منهم يريد بأن يأخذ نصيبه فهذا أحزن محمداً كثيراً لموقف إخوانه وأخواته وتفريطهم في بيت العائلة، الذي كان محمد يأمل بأن يكون عنده الاجتماع كل أسبوع أو كل شهر،فقد رحل والداه اللذين هما نور الدار وبركته وظلت مسامير صورهم ليست فقط معلقة على جدران المنزل وإنما على قلبه، وبقيت عذوبة أطياف الأمس القريب تحوم في أرجاء المنزل الحزين، ولكن إخوته خيبوا ظنه في ذلك ،ولقد كان محمد يأتي من العمل في الجريدة وهو متعب فينام ولايصحو إلا بعد المغرب وأحيانا بعد العشاء، وعند الليل تزداد الوحدة والطفش وتشتد الوحشة والبيت مظلم وكئيب وبارد ولايوجد فيه إلا الخادمة التي تعد له الطعام وتنظف له البيت ثم تذهب، وعندما تراوده فكرة الزواج بحيث يكون لديه زوجة ترد له الصوت في وحشته وتؤنسه يقول في نفسه إن من أحببتها هي مرأة واحدة فقط ولا يوجد مثيل لها، وأما النساء فهن مثل زوجات إخوتي نكديات فدائماً أخواني يشتكون وبأنهم غير مرتاحين في حياتهم الزوجية مع زوجاتهم ولولا العيال لطلقوهن وعاشوا حياة العزوبية لأنها حياة الحرية ،ولقد كان محمد يهرب من الوحدة عبر السفر لخارج السعودية و كان محمد يدعو أصدقاءه لمنزله في بعض الأحيان ويدعونه لكي يسعد نفسه ويبعد عن نفسه وبيته الوحشة لأنه يشعر بأن الوحدة تكسر أعماقه وتكسر المشاعر بداخله لعدم وجود أنثى تملأ عليه حياته, ولكنه كان يكابر فهو لايريد الارتباط بمرأة وفي نفس الوقت لا يريد علاقات محرمة، لذلك كان محمد تسكن بداخله الفقد والغربة وتعشش ويصبح يشعر بالموت البطيء والوقت يكون بالنسبة له طويلاً وبطيئاً ولقد كان أكثر شيء يقلقه هو أن يموت في هذا الييت وحيداً، ولا أحد يشعر به من إخوانه أو أخواته حيث أنه يختفي عنهم لعدة أيام وأسابيع  ولا أحد يسأل عنه أو يزروه إلا قليلا جداً!!وقد يفتقده زملاء عمله وبعض أصدقائه ويبحثون عنه وقد لايبحثون !! ويقلق من وحدته في هذا الليل خاصة ويفكر لو جاءه الموت فلن يتعرف عليه إلا الشرطة حينما تداهم المنزل لتكسر الباب حيث تفوح رائحة جثته في انحاء المكان معلنة رحيله !!!و السبب لأنه كان وحيداً لم يشعر به أحد!!! ولايدري أحد هل هو تألم قبل موته!!! هل كان بحاجة لإسعاف!!!ومتى شعر بلحظة الموت!!!! كل هذه الأفكار السوداء تقلقه وتقض مضجعه،إنه في هذه اللحظات يتمنى بأن تكون حوله زوجة وأولاد أو أخوانه وأخواته أو أصدقاؤه تلك اللحظة ليكون إنسان بجانبه في لحظات الوداع الأخيرة!!!

ويفكر لو أن والديه كانوا أحياء لم يعش وحيداً حياً أو ميتاً وكان يود بأن يلقنوه الشهادتين أو تلقنه أخته أو أخيه الشهادتين!!!!

فكان كلما تذكر محمد هذه اللحظات المؤلمة يشعر بالهلع خاصة إذا كان وحيداً, حيث ماقد قرأه محمد وسمع عنه صار يخشى على نفسه من هذا المصير بأن هناك موتى لايُكتشف موتهم إلا بعد وفاتهم بأيام بعد أن تعلن جثثهم تلك الروائح النفاذة !!!! لذلك قرر محمد بيع البيت الكبير لإعطاء أخوانه وأخواته نصيبهم من الورث وهو بدوره قرر شراء شقة في عمارة وسط المدينه بشارع الخزان لكي يكون قريباً من الناس، وفكر أيضاً في شراء أرض زراعية في مصر حيث إن الدولة هناك في عهد الرئيس حسني مبارك تشجع على الاستثمار والمستثمرين وذلك حينما كان في زيارته لها بالفترة الأخيرة ،وفكر في الأمر جدياً وقرر شراء الأرض التي على طريق مصر الأسكندريه لتتم زراعتها لكي يبني بها فيلا وحظيرة وبرجاً للحمام وتكون زياراته وتردداته على هذه المزرعة حيث أن له خبرة و يحب الزراعة، لأن والده وأجداده كانوا فلاحين فبدأ باستخراج الصك من الشهر العقاري وبدأ بالتخطيط لمرحلة الزراعة والإنتاج ،ولقد استعان بمهندس زراعي ،ثم تعرف على رجل مزارع طيب أسمه عبد العظيم ومشهور بالأمانة والعمل في المجال الزارعي، فعرض عليه محمد بأن يأتي هو وعائلته فور استكمال الفيلا بحيث يكون لهم سكن ومدخل خاص بهم ،وعلى أن يتولى الحاج عبد العظيم الإشراف والمسؤولية على المزرعة مع المهندس الزراعي وتم توقيع عقدين الأول مع المهندس الزراعي والآخر مع الحاج عبدالعظيم على أن يتم التجديد كل سنة ،ومنذ بدأ محمد بالعمل في  المزرعة قدم استقالته من العمل وترك الوظيفة ،ليتفرغ لمزرعته في مصر بحيث صار يتردد عليها أسبوعياً وأحياناً يجلس هناك بالأشهر وعندما تم تسوير المزرعة ووضع لها مدخلاً جميلاً على جوانبه النخل والأشجار وتكعيبات العنب بدأت المزرعة تلفت الأنظار، وقد جاء لها زبائن  من مصر وخارجها ومن دول الخليج يريدون شراءها ولكن محمد رفض جميع العروض برغم أنها مغرية جداً،

ومن خلال الأمل والتفاؤل تغيرت نظرة محمد للحياة وزالت عن ذهنه تلك النظرة الكئيبة التشاؤمية و السوداوية عن الحياة و الموت وحيداً أو العيش وحيداً، ولقد كانت عائلة الحاج عبدالعظيم أصبحت كعائلة لمحمد حيث وجد لديهم الدفء والحنان والاهتمام وتبادل الأحاديث الودية معهم وأصبح لديه هناك أمل و هدف يشغله وصار هناك من يسأل عنه ويهتم به،ولقد كان لدى الحاج عبدالعظيم بنت في عمر الزهور والجمال ،ولكن محمد لم يرد بأن يتزوج ولكن هذه الفتاة قد إستطاعت لفت إنتباهه بجمالها وثقافتها وخوفها على أهلها وعفتها وحرصها على دراستها الجامعية ،حيث كان محمد بعض الأحيان يؤمن لها كتباً لأجل الجامعة من السعودية ، وعندما جاء إلى الرياض إجتمع محمد مع أصدقائه في رحلة برية في روضة خريم ورأوا بأن محمد روحه المعنوية مرتفعة جداً وصار محباً للحياة ومبتسماً ومرحاً ودعا أصدقاءه لزيارة مصر لأجل زيارة مزرعته وكيف أنه في خلال هذه السنوات القصيرة استطاع بأن يجعلها من أجمل المزارع على طريق مصر إسكندرية، حيث أنها صارت أيضا مربحة بالنسبة له وصار محمد سعيداً بهذا المشروع الناجح الذي نفذه وجعل لحياته معنى، وصار تفكيره مركزاً على هدف معين يحبه و يعمل لأجله وصارت سفراته التي كانت متكررة لعدة دول في الخارج أصبحت من الماضي ،والآن أصبح سفره مركزاً في السنوات الأخيرة على مصر دوماً ،لأنه يفكر في نقل إقامته هناك لأنه يشعر بالراحة النفسية وبدفء ذلك المنزل وتلك المزرعة عن بيت والده الذي كان يسكن فيه وتلك الشقة التي قد سكنها مؤخراً ولكنه يريد إنهاء أعماله في السعودية وإنهاء بعض الأوراق التي يحتاجها والترتيبات حتى يتسنى له الإنتقال والإقامة الدائمة ولايأتي للسعودية إلا زيارة لإخوانه وأخواته أو لأصدقائه في المناسبات الكبيرة مثل الأعياد أو للعمرة ، فهل سيغير محمد نظرته للمرأة وتستطيع فتاة بأن تخطف قلبه ويتزوجها أم يظل على وفائه لحبيبة القلب وبأن الأفضل حياة العزوبيه لأنها حرية و انطلاق؟!

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …