جئت لا أعلم من أين ولكنّي أتيت.!

هي مسكينة قد وجدت نفسها وحيدة مدفونة في مفازة ما بين ذرات الرمل بدون نهر ولا بالقرب من بحر أو بحيرة ولا على الأقل بئر أو نبع في واحة ولا أحد يرعاها ولا وجود لشيء مثلها يشبهها، هي لا تعلم من أين أتت ولا عن سبب وجودها لأنه ليس بإرادتها ولا عمن أحضرها لهذا المكان أكان بتخطيط وعناية أو خبط عشواء، هل هي الريح قد رمت بها بعفوية في هذا المكان القاحل،؟! فهي دفنتها تحت الأرض لفترة من الزمن؟! أم أن السيل قد جرفها وطمرها ولم تعش إلا مع ذرات الرمل ولكنها لا تشبههم؟! هي كما قال إيليا أبو ماضي جئت لا أعلم من أين ولكنّي أتيت ،وفجأة وجدت نفسها بدأت تدب فيها الحياة تحت الأرض لأنها قد لامست الرطوبة في مجرى المياه تحت الأرض وبسبب جذور كبيرة بجانبها وتحتضنها وفوق قشرة الأرض حينما يمر عليها أحيانا المطر، شعرت بأنها تريد الخروج من القمقم و مع مرور الأيام خرجت من قشرتها وبدأت فيها الحياة و تغير جسمها من القساوة إلى الغضاضة ومن الموت إلى الحياة وبدأت تدب فيها الحياة كأنها شرنقة الفراشة، بدأت كل فترة تنمو و تتغيرعن بداياتها وأخذت تتعرف على ماهي ماهيتها مع مرور الوقت، ولكنها لازالت تسأل نفسها من أنا؟! ولماذا أنا هنا؟! ولأجل ماذا ؟! وإلى أين ؟! هل سأكون مثل هذه الجذور الكبيرة التي بجانبي ؟!كلها أسئلة ومع مرور الزمن تجد هذه البذرة في الصحراء القاحلة بعض الأجوبة ثم خرجت برأسها على سطح تربة الأرض من خلال براعمها فرأت بأن لها قداً طرياً وهذا وضع مختلف عندما كانت محصنة في ذاتها لقد تغيرت حينما تذوقت الماء من المطر واستنشقت الأوكسجين بعدما خرجت برعمها إلى الخارج كما تتغذى على الشمس والأوكسجين وتجعلها تخرج ثاني أكسيد الكربون ليلاً، فنظرت لما حولها وقد وجدت أشجاراً كبيرة قد سبقنها هل ستكون مثل أمها الشجرة التي تستظل تحتها وبجانبها فهل يا ترى ستكون من فصيلة هذه الأشجار أم أنها نبتة صغيرة ، وبعد تكاثر أحواض المطر في ذلك المكان كبرت وأورقت خرجت من حولها أزهار في النباتات التي حولها وظنت أنها منهم وتعرفت على مخلوقات جديدة مثل النحلة والدبور والفراش والذباب وصاروا أصدقاء ولكن زياراتهم كانت قليلة جداً، وكانت تتحدث معهم ويتحدثون معها وهذا ما خفف عنها وحشتها وغربتها في هذه الصحراء الشاسعة وصارت تؤنس وحدتها في الليل بالنظر إلى النجوم وإلى البدر في ليلة التمام قد توفر لها أصدقاء وأصبحت حياتها حافلة واصبحت سعيدة لأنها بجانب أمها، وصارت حياتها أفضل عما تحت الأرض ولكنها إلى الآن لم تعرف ماذا ستكون، لأنها لم تكبر وتتضح معالمها فهل سيبقى برعمها أم يموت من الجفاف وحرارة الشمس، وحينما كبرت بقرب تلك الشجرة وتحت ظلها أصبحت مختلفة لأن أوراقها بدون أزهار مختلفة عن النباتات التي من حولها والشجر الذي في الوادي والشجرة التي بجانبها وكانت تظن أنها من فصيلة هؤلاء أو أولئك وبعدها بفترة كبرت وصار لها جذعها وأوراقها مختلفة عن الشجر الذي حولها وبعدما طالت وأصبحت شامخة جاء إنسان وهذب من جسمها بمنجل ولقح كافور طلعها الذي خرج منها ،وبعدها بفترة أثمرت ثم اخرجت البلح والتمر، إذاً إنها نخله في هذه الصحراء ولكن لا أحد حولها يشبهها وقد ساعدها في هذه الحياة المطر و جذور الشجرة الواصلة للمجاري المائية تحت الأرض حتى كبرت بظلها وأصبحت تعتبر هذه الشجرة أمها التي رعتها، وقد عرفت بعد ذلك حينما جاء ذلك الأنسان تحت ظل الشجرة وأحضر معه تمراً ليأكل منه ويرمي بذوره تحت الشجرة ولكن صديقاتها من النوى اللواتي يشبهنها حينما كانت في باطن الأرض لم تطل فرحتها بهن فقد حملتهن الريح والرياح إلى مكان آخر ومفازة أخرى ومنهن من قد جرفه السيل عنها بعيداً في اسفل ذلك الوادي.

سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …