موت موظف

في  ليلة من الليالي الصافية ،جلس الموظف المجتهد ايفان ديمترتش تشرفياكوف ، على أحد مقاعد الصف الثاني في مسرح الأوبرا وهو يستمتع بمشاهدة أوبرا أجراس كورنفيل وفي إحد يديه نظارة مقربة، كان إيفان في ذلك الوقت يشعر أنه أسعد إنسان في الوجود، ودارت عيناه إلى أعلى وتوقفت أنفاسه، وأبعد وجهه عن نظارته وقفز من مقعده وأصدر ذلك الصوت ( تشوم ) أي أنه عطس،  وكان من الطبيعي أن يعطس أي إنسان في أي مكان،حتى أعضاء البلاط الملكي يعطسون ، ولذلك لم يجد إيفان أي غضاضة فيما فعل، وضع منديله على أنفه وهو ينظر حوله ليرى إذا كان قد أزعج أحداً.وحين نظر أمامه شعر بالحرج فقد وجد أمامه رجلاً عجوزاً قصير القامة،يجلس في الصف الأول يمسح قفاه وجمجمته الصلعاء بقفازة ويزمجر ببضع كلمات عرف إيفان ذلك الرجل إنه وزير المواصلات ،قال في نفسه إنه ليس وزيري ولكني يجب أن أعتذر له ،ومال إيفان إلى الأمام وهمس في أذن الرجل:أرجو عفوك ياصاحب السعادة فلقد عطست ولم أقصد فقاطعه قائلاً: لاتذكر شيئاً ولكن إيفان حاول الإعتذار مجدداً إلا أن الوزير طلب منه أن يسكت فوراً حتي يستطيع الإنصات إلى الأوبرا.

  وفي هذه اللحظة لم يعد إيفان يشعر انه أسعد إنسان في الوجود ، ولم يعد يسمع شيئاً من الأوبرا بل ظل يشعر بالخجل ،وأنتظر حتى الإستراحة وحاول التغلب على خجله وتوجه إلى مكان الوزير وقال له : سامحني ياصاحب السعادة لقد عطست عليك .

فنظر إليه الوزير بتبرم شديد وقال : آه لقد نسيت ذلك الأمر ألن تنصرف، فتوجه إيفان إلى منزله وهو يشعر بالقلق والريبة،ويتسائل هل نسي الأمر ؟وحين وصل إلى منزله أخبر زوجته بما حدث ولكنها إستقبلت الموضوع ببساطة وقالت طالما أنه ليس رئيسك فلا مشكله،ولكنك يجب أن تعتذر لأنك إنسان مهذب.

وفي اليوم التالي  إرتدى إيفان حلته الرسمية الجديدة وحلق شعره وتوجه إلى مكتب الوزير،وكانت غرفة الإستقبال في مكتب الوزير ممتلئة بالشكاوي،وكان الوزير نفسه يتلقى الشكاوي،فتوجه إليه إيفان وبدأ يقول :ياصاحب السعادة في الليلة الماضية بالأوبرا لقد …….ع…..عطست……..و… أرجو

فرد الوزير بعصبية (ياللحماقة !) ونظر للشخص التالي ،إنتظر إيفان حتى ينتهي الوزير وهو يتجه إلى المختلى بغرفة أخرى وحاول إيفان الإعتذار لكن الوزير نظر إليه بغضب وقال له : اتحاول الإستهزاء بي ! فعاد إيفان إلى المنزل  وهو يستحوذ عليه الشيطان ،وقرر الذهاب في اليوم التالي إلى الوزير ليوضح له أنه لم يكن يتهزئ به ،فصرخ فيه الوزير وهو يهتز من الغضب : أخرج

شعر إيفان بأن شيء ما إنشق بداخله، وعاد إلى بيته وهو لايرى شيئاً من حوله ، ثم إستلقى على الأريكة ومات.

أنطون تشيخوف

ً

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …