إرادة الله وإرادة البشر

قصة حدثت في مدينتي قبل اثنى عشر عام وهي أن صديقين كانا سوياً أغلب الوقت أحدهما ابن اكبر اثرياء المدينة والآخر من عائلة متوسطة الدخل، وفي وقت العصر اصطحب ابن الثري صديقه بسيارته (جي كلاس ) قيمتها مليون وخمسمائة الف ريال لمشوار وبعد ثلاثين كيلو انقلبت السيارة ونقلوهم الى المستشفى وكانت إصابتهما متوسطة وحالتهم مستقرة عدا بعض الكدمات الخفيفة ، وكان المدير المناوب حاضراً وعرف أن احد المصابين ابن ذلك الثري فأهتم به ايما اهتمام واحضر الطاقم الطبي بالكامل واستدعى المدير الطبي الذي كان في منزله وأبلغ مدير المستشفى على الفور الذي حضر مسرعاً وهذا أمر جيد ثم افرغ على الفور غرفة خاصة رغم أن الأبن المصاب يستطيع المشي كما أن نتائج الأشعة والتحاليل اثبتت سلامتهم جميعاً ، بينما المصاب الثاني لم يهتم به أحد رغم اثر الكدمات على ظهره وقدمه وعدم استطاعته المشي وقال له موظف الاستقبال: الآن تستطيع المغادرة دون أي دواء وابتهج فرحاً ،وفي هذه اللحظة حضر إلى الطوارئ اسرة المصابين وقال لوالده اريد أن اطمئن على صديقي المنوم وأتجه إلى المصعد للاطمئنان على صديقه وكان والد المصاب الآخر رجل الأعمال المعروف أمامه ورفض أن يذهب أحد لأبنه وكان يتصف بالكبر ، ذهب الصديق الى الباب وهو يتكئ على والده جراء الكدمات وهو مكسور الخاطر ،وفي ذات الوقت استضاف مدير المستشفى في مكتبه الخاص والد المصاب الآخر وقال: يا أبو فلان ابنك في حالة مطمئنة ولكن نفضل أن يبقى عندنا لثلاثة ايام للاطمئنان عليه أكثر واستكمال جميع الفحوصات ونحن جميعنا في خدمتك وقد كلفت أفضل الأطباء لدينا للأشراف على ابنك على مدار اليوم. ليكسب رضا هذا الثري ويستغل الموقف لصالحه، فوافق الأب وقدم لهم الشكر وأتجه إلى الجناح الخاص لأبنه وسبقه إلى الجناح افضل أنواع الورود والهدايا التي أحضرتها إدارة المستشفى إضافة إلى جلب وجبات طعام من أفضل المطاعم في المدينة.. وهنا انقلبت الموازين ففي اليوم الثالث تم نقل الأبن إلى قسم العزل الوبائي وأخبر الأب أن ابنه تعرض لعدوى داخل المستشفى وأصيب بفايروس نادر ومعدي بدرجة مخيفة ومنعوا عنه الزيارة فقام والده بالاتصال لطلب نقل ابنه إلى المستشفى التخصصي بالرياض وخلال ساعات حضرت طائرة الأخلاء الطبي إلى المطار وتم نقل الأبن بسيارة للأسعاف ووالده في سيارته الفارهة وعند إنزاله بعربة الإسعاف للطائرة كان طاقم الطائرة والعاملين متخذين اقصى درجات الحيطة بالزي اللازم لمثل هذه الحالات وانفجر الأب غضباً وقال: لماذا تضعون القفاز والكمام وكأن ابني بهيمة ورد عليه قائد الطائرة بكل وقار قائلاً: أنت تعلم أن ابنك يحمل فايروس خطير و نادر ومجرد القرب منه قد ينقل العدوى وهؤلاء عمال مساكين ليس لهم ذنب ولا مانع لدي من أن ترتدي ملابس الحماية اللازمة لترافق ابنك معنا في الطائرة أذا اردت ، فرفض الأب وقال للقائد: أنت مجنون تريد إصابتي ، وتحلى القائد بالصبر تقديراً للظرف الحاصل ،ثم أغلقت الطائرة للإقلاع وذهب الوالد الى منزله استعداداً للسفر بسيارته ..

وبعد شهر من دخوله المستشفى ازدادت حالة الأبن سوءاً حتى أدخل العناية المركزة وتدهورت حالته حتى وافته المنية متأثرا بالوباء رحمه الله.

لم أنس تلك القصة المؤلمة..

كان اهتمام المستشفى للثري نفاقاً وشراً لهم.

وكان عدم اهتمام المستشفى للآخر خيراً لهم.

إضافة إلى أن مدير المستشفى لم يؤدي الأمانة كما يجب.

تيقن إلى أن من رعته عناية الله لا يضره شيء.

فهد العواد

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …