قيود ناعمة

لم تكن ( ليان )  أحلامها كبيرة . ولم تطمح يوما أن تكون شهرزاد أو سندريلا كما هو في قصص الخيال.. لم تكن تريد فارسا يحملها على حصان أبيض يسافر بها إلى أرض الأحلام. نعم كان حلمها الوحيد أن تعيش مرتاحة البال.. تريد فقط سعادة تنسيها تعب أنهك جسدها وكسى قلبها … كانت كل ليلة وعندما تغمض العيون لتنام.. تذهب إلى نافذتها تنظر إلى السماء.. التي ينير سوادها قمرا عكس ضوؤه على دموعها التي تسيل على وجنتيها وهي تتلألأ كالنجوم.. كانت كل ليلة تسامره بدون ملل.. كان لها هو الأمان والراحة والاطمئنان.. تشكو إليه تارة وتبتسم معه تارة أخرى.. نعم كان هو ملجؤها الوحيد الذي تذهب إليه…كان دائما ما يعكر صفوها ذلك الصوت المشمئز الذي يقول لها.. أما زلت تحلمين.   لن يتحقق لك ما تريدين.. إنك لا تستحقي أن تعيشي.. لم تلتف إليه وكأنها لا تستمع له كان يدمي قلبها بصوته وكلماته فما يكون منها إلا أن تصمت على أمل أن يرحل. لم يكن بيدها شيئا غير ذلك.. وذات يوم وهي على نفس الموعد …توجهت إلى نافذتها وعندما بادرت بفتحها.. سمعت صوتا هز أركان المكان نعم صوت أرعب قلبها خارت قواها جثت على الأرض وهي تضع رأسها بين يديها وهي تصرخ كفى، كفى أخذت عيناي وكسوتها بالظلام ماذا تريد أن تأخذ الآن.. نعم كانت (ليان )  لا تبصر فقد تعرضت لحادث  على إثره فقدت بصرها . عم الهدوء المكان بدت تتلمس الأرض بأناملها لتضيء عتمتها وليطمئن قلبها أن كل شيء عاد كما كان.. قادتها قدماها إلى ركن ظنت أنه أمانا لها.. كان جسدها يرتعش خوفا حاولت أن تلملم جسدها بيدها لتعيد له الاطمئنان.. كسر سكون المكان ذلك النسيم الذي حرك شعرها المسدل على كتفيها وكأنه يربت على كتفيها..  أخيرا رفعت رأسها ووقفت على قدميها.. بدأت تتلمس المكان وكأنها لم تسكن فيه يوما من الأيام.. لمست يديها ذلك الناي الذي كانت يوما ما تعزف به أجمل الألحان قبل أن تفقد بصرها.. وكأن لمسه لها أعاد إليها طفولتها وذكرياتها ضمته إلى صدرها وكأنها أما تحتضن طفلها بعد فراق طويل بكت بصوت ترق له كل القلوب حملته وعادت به إلى نافذتها وعزفت به أجمل الألحان.. حرك لحنها أغصان الأشجار.. كان ذلك الصوت الشجي لا يصدر إلا من قلبها الذي عاد ينبض بالحياة..   ظلت تعزف إلى أن أشرقت الشمس وعم النور المكان الذي لا تراه عينها ولكن يشعر به قلبها. رقص الطير على أنغامها وحلقت العصافير على أوتارها. نعم غردت وكأنها طير يصدح بأجمل الألحان.. تسلل إلى قلبها شعورا أعاد له الحياة.. همست لنفسها.. لقد فقدت عيناي ولكن وهبني الله يدان أعزف بهما أجمل الألحان. كأنها سجين تحرر من قيوده وعاد إلى حياته.. قالت لنفسها نعم نعم أستطيع الحياة لن أعود خلف القضبان.. لن أعود إلى الظلام.. كسرت قيودها بددت خوفها زرعت الأمل في قلبها أطلقت العنان لنفسها.. لن أعود سوف أمضي دون قيود …

                 بقلم / سميرة عبد الهادي

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …