الجزء٣ قصة من تحت الضباب

فقلت له : ياسيدي أنا هنا قد حضرت لبلادكم في رحلة سياحه لأتعرف على ثقافتكم و بلادكم الجميلة فقال لي : لا أخفيك أمراً فلقد قلت لماري إذا كان السيد سلمان قد جاء من أجل الدراسة ويريد أن يسكن مع عائلة فلا مانع لدي أن يأتي ويسكن معنا في بيتنا فقلت له ؛ شكرا لك ياسيدي على هذه الثقة الغالية ، ثم قال لي ؛ لقد كانت لدينا صورة قاتمة عن السعودية كبلد وشعب بسبب الإعلام لدينا ،والذي كان يصور دولتكم على أنها متخلفة عبارة عن صحراء قاحلة وأن السعودي ساكن في خيمه وبجانبها جمل وبئر نفط والمرأة على الهامش ، ولقد تغيرت نظرتنا لكم منذ عدة سنوات حيث سبق وأن سكن معنا في هذا البيت بعض الطلبة والأزواج السعوديين والذي جأوا إلى هنا من أجل الدراسة حيث تعرفنا فيها من خلالهم عن التطور التقني والعمراني الذي يحدث في السعودية بشكل شامل،ولقد كانت ميزة هؤلاء الطلبة عن غيرهم من الطلبة الأجانب بأنهم كانوا محافظين على فروضهم الدينية مثل الصلاة والصوم ولقد كنا نمتنع عن تناول الطعام أمامهم احتراماً منا لدينهم ولمشاعرهم ،كما كنا نؤخر الوجبات لتتناسب مع صيامهم والسبب لأنهم، يحترمون خصوصيتنا لذا كان لابد من احترام خصوصيتهم، فأنتم لديكم دين عظيم وبلاد همها التطوير والإستثمار في شبابها ، ولقد عرفنا أيضاً من الطالبات بأن المرأة لها دور هناك في المجتمع حيث تعمل في التعليم والمستشفيات كدكتوره وممرضة ووصلت لعدة مناصب ومنهن قد وصلن كعضوات في مجلس الشورى والمجالس البلدية والسماح لها بمزوالة التجارة واعطائهن الفرصة في التعليم الجامعي وفي الإبتعاث ، ولكن هذه الصورة المشرقة تحتاج إلى عمل كبير في الإعلام لديكم لتعريف العالم بالتقدم الذي يحدث عندكم من خلال القنوات الفضائية والصحف بعدة لغات حتى تتغير الصورة الضبابية عنكم ، فقلت له ياسيدي لقد وفرت علي الكثير مما كنت سأقوله لك عن وطني وديني بسبب سعة اطلاعك وثقافتك الواسعة وإنصافك عن هؤلاء الشباب المبتعثين لديكم ولدى دول أخرى مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا وكندا واليابان والصين والهند وغيرهم من الدول والذين أستطاعوا أن يغيروا الصورة السلبية عن السعودية والشباب السعودي بسبب محافظتهم على دينهم وعاداتهم وتفوقهم في دراستهم للعودة بعد ذلك للوطن غانمين محملين بالشهادات العليا للمساهمة في البناء والتنمية وتطوير وطنهم وللرفع من شان أمتهم ، ثم سألني والد ماري : هل لديك الوقت الكافي لتذهب معنا لفترة في بعض الأماكن للنزهة فقلت له : شكراً لك ياسيدي على اهتمامك بي وأتمنى ذلك ولكن موعد سفري غداً ثم جاءت أم ماري وقالت لي تفضل ياسيد سلمان الغداء جاهز ثم توجهنا لصالة الطعام حيث كانت مزينة بالرخام وبلوحات جميلة شدني النظر إليها فقال أبو ماري :،واضح بأنك تحب الرسم والفن ياسيد سلمان فقلت له : نعم فقال ؛ إذا زرتنا مرة أخرى سنذهب إلى متحف لأجعلك ترى اللوحات الجميلة ونذهب للمسرح والسينما والأوبرا فقلت له: أعدك بذلك إذا زرت أمريكا مرة أخرى


image

وحينما وصلنا لطاولة الطعام كانت طويلة وعليها شمعدانات فضية مضيئة بالشمع وأكواب وصحون جميلة والشوك والملاعق الفضية والمناديل الجميلة ثم أجلستني ماري بالقرب من والدها ثم جلست بجانبي حيث كانت أم ماري قد أعدت ديكاً رومياً وبعض الحساء والرز والسلطات وبعد أن فرغنا من الغذاء قال والد ماري ما رأيك بأن نجلس في الحديقه فالجو جميل الآن فقلت له : ماعندي مانع ، ثم جاءنا الشاي وتحدثنا قليلاً عن الأنتخابات الامريكية ومايحدث في الشرق الأوسط بسبب الإقتتال الطائفي والذي بلا شك لا يخلف إلا الإرهاب والدمار والموت بسبب التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ،ثم استأذنت أبو ماري وشكرته على الدعوة ثم قالت لي أم ماري : نحن نشكرك على تلبيتك لدعوتنا وأتمنى أن يكون الغداء قد حاز على رضاك فقلت لها: نعم إنه جميل ولذيذ ياأم ماري وسلمت يداكِ، ثم قالوا لي : نتمنى أن تزورنا وتتواصل معنا وأن لا تكون هذه الزيارة الأخيرة فقط فقلت لهم ؛ أعدكم بذلك فإذا زرت أمريكا مرة أخرى سأزوركم إن شاء الله ثم قلت لهم : لن أقول لكم وداعاً ولكن إلى اللقاء ثم خرجت من عند الباب وكانوا جميعهم في توديعي وأصرت ماري على أن توصلني إلى الفندق ،وعندما أوصلتني للفندق وهممت بالنزول قبلتني فجأة ثم أخرجت كرتاً وقالت ؛ هذا كرتي فيه رقم جوالي وأيميلي ومقر عملي من أجل أن نتواصل معاً فقلت لها: أعدك بذلك وإلى اللقاء ياسيدتي ، ولقد كان تعطل سيارتك فرصة للتعرف عليك وعلى عائلتك الكريمة ثم ضحكت وقالت ؛ صحيح رب ضارة نافعة مع السلامة يا سيدي ، ولوحت لها بالتوديع ولوحت لي والدموع في عينيها ثم دخلت الفندق وأخذت المفتاح من موظف الإستقبال وصعدت لجناحي وغيرت ملابسي ، ثم جلست على الأريكة أتفكر في تلك اللحظات التي قضيتها مع عائلة ماري ثم أخذتني غفوة ولم أدري إلا بزوجتي توقظني وتقول : سلمان قم لقد تاخرت عن عملك فنظرت فإذا الساعة السابعة فتحركت واخذت الفوطة وماكينة الخلاقة فغسلت وجهي وحلقت وتعطرت وأخذت إفطاراً عاجلاً مع كوب من القهوة وتوجهت إلى عملي ماراً ببعض المشاريع التي تنفذ ومن ضمنها المركز المالي ومترو الرياض وغيرها من المشاريع وأنا أقول : الحمد لله إني بخير ووطني بخير وتقدم ونعمة وأمن وأمان.

 سلمان محمد البحيري

عن سلمان البحيري

كاتب أومن بالإختلاف و حرية التعبير من غير أن تمس الثوابت الدينية والوطنية وحقوق الآخرين .

شاهد أيضاً

حكاية باب‬⁩!

لا أذكر الماضي بشكل جيّد، وليس لي «شجرة عائلة» تحدد نسبي! ‏لا أعرف ـ بالضبط ـ من أي شجرة أتيت.. ‏وبالكاد أتذكر رائحة أصابع النجار وهو يعمل بمهارة  لتحديد ملامحي النهائية. ‏كنت أظنني كرسيّاً.. دولاباً.. طاولة… شباكاً.. ‏لم يخطر ببالي أنني سأكون «باباً»! ‏  ‏حظي الرائع هو الذي أوصلني لكي أكون «الباب الرئيسي» لهذا المنزل الريفي الصغير في البداية كنت أنظر لسكانه بريبة وكانت خطوات الصغيرة «سارة» تـُشعرني بالرعب لأنني أعلم أنها ستنزع مقبضي بعنف – عند فتحي – وستجعل أطرافي ترتعد عند إغلاقي..وحدها«سيدة» المنزل ستعاتب «سارة» لتصرفها غير  المهذب معي فيما يكتفي«السيّد» بالضحكات العالية لشغب طفلتهما المدللة. …

بدايات الشغف

اقتربت أمي مني وهي تضع يدها على كتفي وتقول لي ،  أنصتي إلي نحن في …